الشيخ يوسف البحراني
الشيخ يوسف البحراني، هو يوسف بن أحمد بن إبراهيم البحراني الدرازي (1107 ــ 1186 هـ)، فقيه ومحدث شيعي.
اشتهر بـ"صاحب الحدائق" انتساباً لأثره (الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة)، ويُعدّ من أبرز العلماء المدافعين عن المدرسة الفكرية الأخبارية الفقهية والحديثية، وكذلك آخر شخصية جديرة بالذكر من أصحاب هذه المدرسة.
ناظر بعض الاجتهاديين المعاصرين له -كما ذكر هو في المقدمة الثانية عشرة للحدائق- وقام بتفصيل الكلام حول هذه المناظرات في كتابه المسائل الشيرازية، وقد كان يتمتع بقريحة شعرية، وله شعر في الإمام الحسين (ع).
نشأته:
ولد في سنة 1107 هـ في قرية ماحوز جنوب غرب المنامة في البحرين، لكن أصله من قرية دراز - على بعد فرسخين ونصف جنوبي المنامة - وكان والده عالماً انتقل للإقامة في ماحوز وتتلمّذ على يد المحقق البحراني. أمضى الشيخ مرحلة طفولته تحت إشراف جدّه الشيخ إبراهيم، الذي كان يعمل في تجارة اللؤلؤ، وجعل للحفيد معلمٌ لـلقرآن وتعليم الكتابة في المنزل، ثم بعد ذلك لازم الدرس عند والده.[1] ثم التزم أبوه - الذي كان على مسلك المجتهدين ومخالفاً بشدة للإخباريين - بتربيته العلمية.[2]
حياته:
تزامنت حياة الشيخ يوسف البحراني مع أحداث مهمة، جعلته دائم الانتقال من مدينة إلى أخرى. في بداية طفولته عايش الحروب القبلية بين قبيلتي الهولة والعتوب. كما دارت حروب بين القوات العمانية والإيرانية، أيضاً عاصر الشيخ أيام سقوط الحكومة الصفوية وانقراضها في إيران.[3]
رحلاته:
في البداية هاجرت أسرته إلى القطيف، على إثر الهجمات المتتالية لسلطان عُمان على البحرين، وبقي هو في البحرين، لكنه بعد السيطرة الكاملة للمهاجمين واحتراق منزل العائلة، التحق بهم، وبوفاة الوالد، تولّى مسؤولية رعايتها. وبقي في القطيف لمدة سنتين، تتلمذ خلالها على يد الشيخ حسين الماحوزي (م 1181 هـ) الفقيه المجتهد والمعارض العلنيّ لـلنهج الأخباري.[4]
بعد المصالحة بين حكومتي إيران وسلطنة عمان وتحرير البحرين، عاد إلى الوطن ودرس عند العلماء هناك لعدة سنوات. وأخيراً بعد عودته من فريضة الحج وتوقفه في القطيف اضطر أن يسافر إلى إيران بسبب الضغوط المالية، واضطراب الأوضاع الداخلية في البحرين وذلك بعد سقوط الصفوية وكذلك مقتل السلطان الصفوي سنة 1140 هـ.[5]
بعد إقامته القصيرة في مدينة كرمان، سافر البحراني إلى شيراز التي حظي فيها باحترام حاكمها محمد تقي خان وتكريمه له، فتمكن من قضاء عدة سنوات مستقرة وهادئة اشتغل فيها بالتدريس والتأليف وتأدية المهام الدينية.[6]
اضطربت أوضاع شيراز الداخلية هذه المرة بسبب تمرد محمد تقي خان على نادر شاه، فاجتيحت المدينة وانتشر الوباء فيها في العامين 1156 و1157 هـ، فتوجه الشيخ إلى قصبة فسا آنذاك، حيث أكرمه حاكمها، وحظي فيها أيضاً بالطمأنينة وراحة البال، وبقي فيها لمدة قضاها في التأليف والتحقيق، وبالزراعة لتحصيل الرزق. لكن ما لبث أن هاجم المدينة عليمردان سنة 1165 هـ[7] وقتل حاكمها، وتعرضت المدينة للنهب، فذهب ممتلكات الشيخ وكتبه أدراج الرياح، فهاجر إلى منطقة اصطهبانات، ومن ثم إلى كربلاء ولبث بها إلى آخر عمره. يحتمل أن يكون قدومه إلى كربلاء قبل سنة 1169 هـ.[8]
دراسته:
اهتم البحراني بالتأليف والتصنيف وإعداد الطلبة وتدوين أجوبة الاستفسارات الدينية، وغير ذلك من النشاطات العلمية الدينية، رغم كل الظروف التي أحاطت به وساقته إلى رحلات متعددة، وقد نال إجازة الحديث من أساتذته ومن أربعة من مشايخ الحديث منهم: المولى رفيعا الجيلاني (م 1160 هـ) الذي كان لديه إجازة من المجلسي، ويوصل البحراني إلى المجلسي بعلو الإسناد.[9]
لقد أثنى معظم كتاب التراجم المتأخرين، على مكانته في الفقه والحديث، وأشاروا إلى كثرة تتبعه وذاكرته القوية وزهده على الرغم من انتقادهم لمنهجه العلمي، كما وصفوا آثاره العلمية بأنها مثمرة ومفيدة. من هؤلاء الكتّاب:
أبو علي المازندراني الحائري في منتهى المقال،[10] والنوري في خاتمة مستدرك الوسائل،[11] والأمين في أعيان الشيعة.[12]
فقد كان كما ذكر هو في المقدمة الثانية عشرة للحدائق من المدافعين الجديين عن الأخباريين في البداية، وناظر بعض الاجتهاديين المعاصرين له، وقد فصّل الكلام حول هذا الموضوع في كتابه المسائل الشيرازية. لكنه رأى في أثناء تأليف الحدائق أي تصنيف أو تقسيم للعلماء الشيعة بعيداً عن الصواب، وانتقد الملّا محمد أمين الأستر آبادي (م 1033 هـ) الذي كان البادئ بهذا التصنيف، والتعرض للمجتهدين.[13]
أساتذته:
درس البحراني لدى جدّه الشيخ إبراهيم ووالده الشيخ أحمد والماحوزي والأخيرَين كانا مجتهدَين معارضَين للنحلة الأخبارية، الشيخ حسين الماحوزي الشيخ أحمد بن عبد الله البلادي (م 1148 هـ) الشيخ عبد الله بن علي.[14]
تلاميذه:
لم يدون عدد تلامذته وأسماءهم في كتابه خلال إقامته في شيراز؛ لكن أسماء مجموعة من العلماء الكبار الذين حضروا دروسه في كربلاء معروفة، وأشهرهم:[15]
كان المترجم فضلاً عن مقامه العلمي من مشايخ الحديث، وقد اتصل العديد من كبار مشايخهم في الأدوار اللاحقة، من طريقه بسلسلة الإجازات. ومن الذين نالوا إجازة الحديث عن البحراني، إلى جانب معظم تلاميذه، يمكن الإشارة إلى:
والاثنان الأخيران هما ابنا أخ البحراني، قد كتب لؤلؤة البحرين في الإجازة لقرّتي العين كإجازة لهما.[16]
مؤلفاته:
كتاب الحدائق الناضرة
يتجاوز عدد آثار البحراني العلمية الأربعين، بين مؤلف مستقل وجواب مكتوب عن الأسئلة، وما كتبه حاشية وتعليقة على كتب غيره؛ ومعظم هذه الآثار في الحديث والكلام والفقه، وكما يقول هو نفسه في اللؤلؤة[17]ونقله المازندراني الحائري في منتهى المقال، فإن بعض كتاباته ومنها أجوبة المسائل الشيرازية، قد فقد في حادثة نهب بيته في فسا.[18]
أهم كتبه سواء من حيث المضمون والمحتوى أو من حيث الموضوع هي:[19]
وفي جانب الأدب والشعر له قصيدتان يشكو إلى إخوانه صروف الدهر، وله تخميس لقصيدة مطولة، وله قصيدة في مدح الإمام علي (ع) حين زاره سنة 1156 هـ،[20] ومن شعره في واقعة الطف:
وأعد عليّ حديث وقعة نينوى |
ولواعج الأشجان في ساحاتهــــــــــــا |
|
الله أية وقعــــــــــــــــــة لمحمـــــــــــــــد |
في كربلا أربت على وقعاتهـــــــــــــــــــا |
|
نفسي لآل محمد في كـــــــــــــربلا |
محروقة الأحشاء من كرباتهـــــــــــــــا |
|
حسرا تبكي ومنظرها إلى أخواتها[21] |
وفاته:
توفي الشيخ يوسف سنة 1186 هـ في كربلاء إثر مرض الطاعون ودفن في العتبة الحسينية، وتحديدا في الحائر الحسيني عند رجلي الشهداء [22] بعد أن صلّى عليه العالم الأصولي الوحيد البهبهاني بناءً على وصيته.[23]
البحراني هو أحد أبرز العلماء المدافعين عن المدرسة الأخبارية الفقهية والحديثية، وآخر شخصية جديرة بالذكر من أصحاب هذه النحلة العلمية، كانت له مناظرات في كربلاء مع وحيد البهبهاني، المعاصر له، المخالف للإخباريين، ويقال أن تلك المناظرات قد أثّرت في تغيير آرائه، والمحتمل أن تكون ساهمت في خفوت المنهج الأخباري ورواج المذهب الأصولي نظراً لمكانته العلمية لدى الأخباريين[24]
كان يعتقد أن الميل إلى النهج الاجتهادي أو الاعتماد على المنهج الأخباري لطالما وجدا بين الفقهاء، ولكن أياً من الطرفين لم يلجأ إلى التجريح بالآخر أبداً. خاصة وأن عدداً من المجتهدين كالشيخين المفيد والطوسي كانا على رأي الأخباريين في بعض المسائل، وبعض المحدثين كـالصدوق كانت له آراء توافق مرام المجتهدين.[25]
كذلك يوضح البحراني منهجه في التعامل مع الأحاديث، الذي يعده المنهج الوسطي (طريقاً وسطى) وطريقة العلامة المجلسي، ويصرّح بصحة كتب الحديث المعتبرة - وليس بجميع الأحاديث المنسوبة إلى المعصوم فيها - كـالكتب الأربعة وبحار الأنوار ومعاني الأخبار والخصال وكذلك الفقه الرضوي، لاعتماد المحدثين الكبار بها. كذلك ينتقد في المقدمة الثالثة للكتاب، الآراء المغالية لعدد من الأخباريين، وعجزهم عن فهم مقاصد القرآن، ويؤيد رأي الشيخ الطوسي في تقسيم الآيات القرآنية بحسب الدلالة على المقصود.[26]
كذلك يوضح في سائر المقدمات مبانيه الأصولية في الاستنباط الفقهي، التي تدل على منهجه المعتدل وعدم قبوله لآراء الأخباريين كلها بقضّها وقضيضها، في الوقت نفسه يشير إلى مخالفة رأيه للنحلة الاجتهادية. والدليل على ذلك علاقاته بالوحيد البهبهاني في أثناء إقامته في كربلاء وتصريحه بمقامه العلمي وعدالته - مع أن البهبهاني كان يهاجم بشدة مشرب الأخباريين الذين كان لهم حضور فاعل في العراق في تلك الآونة لاسيما في حوزتي النجف وكربلاء العلميتين،[27]حتى أنه كان ينتقد البحراني شخصياً بشكل صريح.[28]
وهناك من يحتمل أيضاً بأنّ البحراني قد ابتعد عن ميله الأخباري بعد محاورة البهبهاني، وسعى من خلال تأييده للبهبهاني إلى تقوية الاجتهاديين وتضعيف الأخباريين.ر قد يكون تكريم البهبهاني له، بعد وفاته والحضور الحاشد للناس والعلماء في مراسم تشييعه، على الرغم من انخفاض عدد سكان المدينة بسبب الطاعون، مؤيداً لهذا الاحتمال.[29]
كان المترجم قد ترك النهج الأخباري منذ مدة، وفقاً لـلمامقاني، ولهذا أقدم بطيب خاطر وبناءً على طلب البهبهاني، بالتخلي له عن كرسي درسه لعدة أيام، ابتعد بعدها معظم تلاميذ البحراني عن الهوى الأخباري متأثرين باستدلالات البهبهاني المقنعة. مع كل ذلك، لم يُنقل عنه أو عن تلاميذه أو معاصريه تصريح واضح حول اعتزاله الكامل للمذهب الأخباري.[30]
الهوامش:
المصادر والمراجع:
إعداد
حسين ال جعفر الحسيني