))الشيخ الُكلّيني((
أبوجعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي المعروف بثقة الإسلام الكليني من كبار محدثي الشيعة الإمامية ومؤلف كتاب الكافي الذي يعدّ من أهم المصادر الحديثية الأربعة عند الشيعة.
ولد في عصر الغيبة الصغرى سنة 255هـ ولقی بعض المحدثين الذين سمعوا الحديث مباشرة من الإمام الهادي أو الإمام العسكري عليهما السلام. وصفه الرجاليون بالدقة والضبط في نقل الحديث.
تاريخ ولادته ومكانها
لم تحدد المصادر التي ترجمت للكليني زمان ولادته ومكانها بالتحديد، إلا أنّ المسلّم به من خلال تتبع كلمات الرجاليين أنّه ولد في قرية كُلين إحدى توابع مدينة الري. كما يستفاد من مجموعة من القرائن التاريخية أنّ زمن ولادته يقارب ولادة الإمام الحجّة المنتظر في سنة 255 هـ وأنّه عاش في زمن الغيبة الصغرى.
واحتمل السيد بحر العلوم أنّه أدرك بعض أيام الإمام العسكري .[1] فيما ذهب السيد الخوئي إلى القول بأنّ ولادته كانت بعد وفاة الإمام الحسن العسكري وفي بدايات الغيبة الصغرى.[2]
أسماؤه وألقابه
وصفه الرجاليون ومن ترجموا له بأبي جعفر ومحمد بن يعقوب، وابن إسحاق، وثقة الإسلام والرازي، والسِلسِلي والبغدادي.[3] وهو أوّل من لقّب بـ ثقة الإسلام وكان الناس يرجعون إليه في مسائلهم الإجتماعية والفقهية لفضله وعلمه وتقواه.[4]وإنّما سمّي بالسِلسِلي نسبة إلى درب السلسلة ببغداد، عند باب الكوفة حيث نزله الكليني إبّان وجوده في بغداد.[5]
أسرة الكليني
ينتسب الكليني إلى بيت أصيل طيب معروف في الري، وقد عرف من رجال هذا البيت مجموعة من العلماء وحملة الحديث والفقه، منهم: والده يعقوب بن إسحاق الذي يعدّ من كبار علماء الإمامية زمن الغيبة الصغرى في كلين،[6] وخاله أبو الحسن علي بن محمد المعروف بـ علان الرازي، ومحمد بن عقيل الكليني، وأحمد بن محمد أخو أبي الحسن.[7]
دراسة الحديث والهجرة إلى قم
نشأ الكليني في مدينة الري التي حوت جميع المذاهب من الإسماعيلية، والأحناف، والشافعية، فضلاً عن الشيعة الإمامية، فكان على معرفة جيدة بآراء ونظريات تلك المذاهب الكلامية والفقهية، وإلى جانب ذلك قرر الخوض في مجال علم الحديث حفظاً وتدويناً تتلمذاً على كبار أساتذة الفن في مدينة الري كأبي الحسن أبي الحسن محمد بن جعفر بن عون الأسدي.[8] ثم شدّ الرحال صوب مدينة قم لمواصلة الدراسة في مجال علم الحديث متلمذاً على محدثيها ممن رووا عن الإمامين العسكري والهادي مباشرة وبلا واسطة.
شخصيته ومكانته العلمية
إتفق الموافق والمخالف من الرجاليين والمؤرخين على عظم شخصية الكليني وفضله ومكانته العلمية وجميل ذكره وحسن سيرته.[9]
أقوال علماء الشيعة في حقّه
ترجم له الشيخ الطوسي في الفهرست قائلاً: محمد بن يعقوب الكليني، يكنّى أبا جعفر، ثقة، عارف بالأخبار... وقال في رجاله: « يكنى أبا جعفر الأعور، جليل القدر، عالم بالأخبار، وله مصنفات منها كتاب الكافي...».[10] ولقد تفرد الشيخ الطوسي - من بين القدماء - بإطلاق هذه الكنية على الشيخ الكليني ولم يتابعه ممن تأخر عنه إلا ابن شهر آشوب المتوفى بعد الشيخ الطوسي بأكثر من قرن وربع القرن.
أما النجاشي فقد وصفه بالقول: «أبو جعفر الكليني- وكان خاله علان الكليني الرازي- شيخ أصحابنا في وقته بالري ووجههم، وكان أوثق الناس في الحديث وأثبتهم صنّف الكتاب الكبير المعروف بالكافي، في عشرين سنة».[11]
وهكذا أطراه بكلمات المدح والثناء مما يكشف عن عظم منزلته وسمو مكانته في الوسط العلمي، كبار علماء الشيعة كابن شهر آشوب [12] والعلامة الحلي [13]وابن داود الحلي [14] والتفرشي [15] والأردبيلي[16] والسيد أبو القاسم الخوئي[17]وقال السيد رضي الدين بن طاووس: «الشيخ المتفق على ثقته وأمانته محمد بن يعقوب الكليني...».[18]
أقوال علماء السنّة في حقه
قال المؤرخ الشهير ابن الأثير في كتاب جامع الأصول: «أبو جعفر محمد بن يعقوب الرازي، الفقيه، الإمام على مذهب أهل البيت ، عالم في مذهبه، كبير، فاضل عندهم، مشهور».[19] وقال الذهبي: «عالم الإمامية وصاحب المؤلفات المعروفة».[20] وقال ابن حجر في التبصير: «أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني، من رؤساء فضلاء الشيعة في أيام المقتدر، وهو منسوب إلى كلين من قرى العراق...». وقال ابن حجر في لسان الميزان: «... وكان من فقهاء الشيعة، والمصنّفين على مذهبهم...».[21]
وأثنى عليه ابن عساكر في كتابه.[22]
مؤلفاته وآثاره العلمية
كتاب الكافي
صنّف الشيخ الكليني بالإضافة إلى كتابه الكافي مجموعة من المصنفات مما يكشف عن تضلّعه في سائر العلوم إضافة إلى علم الحديث، منها:
مشايخه وأساتذته
تلمّذ الشيخ الكليني على ما يقرب من الخمسين شيخاً في الحديث والأخلاق وسائر العلوم، أشهرهم علي بن إبراهيم القمي- صاحب التفسير المعروف بـتفسير القمّي- حيث وقع في ما يقرب من 7068 سنداً من أسانيد كتاب الكافي.[24]، ومن مشايخه أيضا:
تلامذته والرواة عنه
تلمَّذ عليه وأخذ الحديث عنه الكثير من الرواة منهم من يندرج في عداد كبار علماء الشيعة الإمامية، ومن هؤلاء التلاميذ:
سفره إلى بغداد
تشير الشواهد التاريخية إلى أنّ الكليني قد هاجر إلى بغداد سنة 327 هـ وبقي فيها السنتين الأخيرتين من عمره حيث كانت بغداد تمثّل المركز العلمي للعالم الإسلامي. ومن الشواهد التي تدلّ على الإنتهاء من كتاب الكافي قبل الدخول إلى بغداد أنّه لم يرو عن النواب الأربعة للإمام الحجّة بلا واسطة مع معاصرته لهم. ولشهرة الكليني ومعروفيته رجع إليه الشيعة والسنة في الفتوى حتى وصفوه بـــ ثقة الإسلام.[27]
وفاته ومكان دفنه
توفى الكليني ببغداد سنة ثلاثمائة وتسع وعشرين وقيل ثمان وعشرين، في شعبان سنة تناثر النجوم، والمقارن لبدء الغيبة الكبرى عن عمر ناهز الثانية والسبعين.[28] وقال النجاشي والشيخ الطوسي: «وصلى عليه محمد بن جعفر الحسيني أبو قيراط، ودفن بباب الكوفة في مقبرتها». قال ابن عبدون: «رأيت قبره في طريق الطائي، وعليه لوح مكتوب فيه اسمه واسم أبيه».[29]
وقال محمد باقر الخونساري: «والقبر الشريف في شرقي بغداد، في تكية المولوية، وعليه شباك من الخارج إلى يسار العابر من الجسر المشهور، يزوره أهل السنة والشيعة.[30]
ولعلّ أهم ما رآه المقدم في الكتاب: (1) إن الكتاب جامع لكل ما كتب عن الشيخ الكليني أو ترجم له او أشار إليه، (2) محاولة المؤلف استقصاء الكتابات التي تناولت كتاب الكافي وأهميته من الجانب الحديثي والروائي، (3) هيكلة كتاب الكافي بأثافيه الثلاث: عدد الرواة وعدد الروايات وأبواب الكتاب، (4) أضاف الكرباسي في كتابه جديدًا من خلال تقصي الأخبار الفريدة عن الكليني المتوزعة في بطون الكتب، (5) إستقصاء شروحات كتاب الكافي باللغات المختلفة، إلى جانب مختصرات الكافي المطبوع منها والمخطوط، مع بيان الذين قاموا بتحقيق كتاب الكافي باللغات المختلفة، فضلا عن بيان الفهارس التي وضعها العلماء لكتاب الكافي (6) إستقصاء أقوال العلماء السنة والشيعة في بيان عظمة الكليني وأثر كتاب الكليني على المسيرة الفقهية.
هذه الحقائق أوجزتها شعبة إحياء التراث الثقافي والديني التي يرأسها الأستاذ إحسان خضير عباس، في مقدمة الناشر بقولها: (ورغبة منّا في الإضاءة على حياة ذلك العلم، وإيفاءً لبعض حقه على أهل الفكر والعلم، وتعويضًا عن الإجحاف الذي لحق به في كتب التراجم، قمنا بتقديمه بهذه الحلة القشيبة، آملين أن يسد ذلك الفراغ)
أرقام باهرة
يعتز أهل السُّنَّة بكتب حديثية ستة يرجعون إليها، وهي مع عدد أحاديثها بحذف المكررات: صحيح البخاري لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (195- 256هـ) ويضم 2761 حديثا، صحيح مسلم لأبي الحسن مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (206- 261هـ) ويضم أربعة آلاف حديث، سنن أبي داود لأبي داود سليمان بن الأشعث الأزدي السجستاني (202- 275هـ) ويضم أربعة آلاف حديث، سنن إبن ماجه لأبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني (209- 273هـ) ويضم 4341 حديثا، سنن الترمذي لأبي عيسى محمد بن عيسى السلمي الترمذي (209- 279هـ) ويضم 3956 حديثا، وسنن النسائي لأبي عبد الرحمن شعيب بن عيسى النسائي (215- 303هـ) ويضم 5595 حديثا.
كما تعتز الإمامية بكتب حديثية أربعة يرجعون إليها، وهي: الكافي لأبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني الرازي البغدادي (ن225- 329هـ) ويضم 16199 حديثًا، من لا يحضره الفقيه لأبي الحسن محمد بن علي بن بابويه القمي (ن306- 381هـ) ويضم 5963 حديثًا، الإستبصار فيما اختلف من الأخبار لأبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (385- 460هـ) ويضم 5511 حديثًا، وتهذيب الأحكام للشيخ الطوسي السابق الذكر ويضم 13590 حديثًا.
ولكن ما يميز الإمامية عن غيرهم، أنَّ فقهاءهم لا يقطعون بصحة الأحاديث الواردة في الكتب الأربعة مع نسبتها جميعها إلى المعصوم، وأن كتاب الكافي يقع في مقدمة الكتب الحديثية الأربعة لدى الإمامية ويفوق كل واحد منها منفردة، من حيث عدد الأحاديث، بل ويفوق أحاديث الصحاح الستة مجتمعة، ومن ميزة الكليني أنه عاش في عهد الغيبة الصغرى وعهد سفراء الإمام المهدي(ع) الأربعة، وهم: عثمان بن سعيد العمري البغدادي المتوفى سنة 265هـ وابنه محمد العمري البغدادي المتوفى سنة 305هـ، والحسين بن روح النوبختي البغدادي المتوفى سنة 326هـ، وعلي بن محمد السمري البغدادي المتوفى سنة 329هـ، بل وتذهب المصادر إلى القول بأن الكليني تشرّف بلقاء الإمام المهدي(ع)، ومع هذا يؤكد الفقيه الكرباسي: (إنَّ ما ورد في الكافي كغيره من المؤلفات التي تخص الحديث لابد من دراستها من حيث سند الرجال ولا يمكن الأخذ بالحديث لمجرد كونه منسوبًا الى المعصوم عليهم السلام، ومن هنا لا يصح تسمية كتاب بالصحيح إلّا بإضافة كلمة عندي)، ولعل لهذا السبب بقي الفقه الإمامي متجددًا وباب الإجتهاد مفتوحًا على مصراعيه لحفظ الملّة والرعية.
في الواقع لا يحظى الكليني بتعظيم فقهاء الإمامية فحسب إنما يلقى إحترامًا وتقديرًا من عموم فقهاء المسلمين لعظيم ما ترك من آثار ومصنفات، وقد أتحفنا المحقق الكرباسي بثناء (46) فقيها من عموم فقهاء المسلمين بمذاهبهم ومشاربهم المتنوعة تبين قدر هذه العالم الفذ، وأورد (32) شخصية قامت بترجمة الكليني، كما أحصى (31) شرحا للكافي لعلماء مختلفين وبلغات مخلتفة، و(8) اختصارات للكافي، و(5) ترجمات للكافي بلغات مختلفة، و(32) تعليقة على الكافي كلّا أو بعضا من أبوابه، و(11) تحقيقا في الكافي وأسانيده بعضأ أو كلّا، و(5) فهارس لأبواب الكافي وضعها علماء مختلفون.
وفي إطار حديث الأرقام، فقد أفرد المحقق الكرباسي عنوانًا لبيان أشهر ألقاب الكليني وهي: ثقة الإسلام، وشيخ المحدِّثين، وشيخ الأصحاب، والمجدد، كما أفرد عنوانًا لبيان ترجمة 37 علمًا من مشايخ الكليني، وترجمة 16 علمًا من تلامذته، وأفرد عنوانًا لبيان مؤلفاته وأبوابها، وهي: الكافي، الرجال، تفسير الرؤيا، الرد على القرامطة، ما قيل في الأئمة من الشعر، وكتاب رسائل الأئمة. ( 31)
الهوامش
.10الطوسي، رجال الطوسي، ص 429؛ الطوسي، الفهرست، ص 210.
11 .النجاشي، رجال النجاشي، ص 377.
12 .ابن شهر آشوب، معالم العلماء، ص 134.
13 .الحلي، خلاصة الأقوال، ص 245.
14 .ابن داوود الحلي، رجال ابن داوود، ص 187.
.15 التفرشي، نقد الرجال، ج 4، ص 352.
.16 الأردبيلي، جامع الرواة، ج 2، ص 218.
.17 الخوئي، معجم رجال الحديث، ج 19، ص 54
18 . السيد ابن طاووس، كشف المحجة، ص 159. ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج8، ص364.
. 19 الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج 15، ص 280.
.20 ابن حجر، لسان الميزان، ج 5، ص 433؛ ابن ماكولا، إكمال الكمال، ج 7، ص 186.
21 . ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، ج 56، ص 297.
.22 النجاشي، رجال النجاشي، ص 377؛ الطوسي، رجال الطوسي، ص 429؛ ابن شهر آشوب، معالم العلماء، ص 134.
.23 الخوئي، معجم رجال الحديث، ج 19 ، ص 59 .
24 .الغفار، الكليني والكافي، ص 166.
.25الغفار، الكليني والكافي، ص 182.
.27الغفار، الكليني والكافي، ص 264 - 267.
.28 المدرس، ريحانة الأدب، ج 8، ص 80.
29 .النجاشي، رجال نجاشي، ص 378؛ الطوسي، الفهرست، ص 210 - 211.
.30الخوانساري، روضات الجنات، ج 6، ص 108.
31. الكرباسي ، الموسوعة الحسينية ، الكليني
المصادر والمراجع
اعداد
حسين ال جعفرالحسيني