الجمعة ٠٣ أيار ٢٠٢٤

العالم الشهيد عمرو بن الحمق الخزاعي


تاريخ الاضافة:-2021-02-13 16:09:39 | عدد الزيارات: 1606

 ((عمرو بن الحمق الخزاعي))

 

من أولئك الرجال العظماء الذين كانت له مواقف مشرقة ومشرّفة في الوقوف مع أمير المؤمنين (ع) في مواصلة مسيرة الإسلام والدفاع عن الشريعة الغراء بعد النبي (ص) الصحابي الجليل الشهيد عمرو بن الحمق الخزاعي الذي كان من سيوف أمير المؤمنين في قتاله الناكثين والقاسطين والمارقين والصوت الذي صرخ بوجه معاوية فآثر الموت على حياة يسمع فيها سب أمير المؤمنين من على منابر معاوية.

نسبـــــه:

هو عمرو بن الحمق بن الكاهن بن حبيب بن عمرو بن القين بن ذراح بن عمرو بن سعد بن كعب بن عمرو بن ربيعة الخزاعي

قصة إسلامه:

(لمَّا بعث رسول الله النبي (ص) جماعة من الصحابة في بعثة، قال لهم: إنكم ستلقون رجلاً صبيح الوجه يطعمكم مِن الطعام ويسقيكم من الشراب ويهديكم الطريق، هو من أهل الجنة)

فأقبلوا حتَّى انتهوا إلى عمرو بن الحمق الخزاعي فأمر فتيانه فنحروا جزوراً ــ شاة ــ وحلبوا مِن اللبن، فبات القوم يطعمون مِن اللحم ما شاؤوا ويسقون مِن اللبن، ثم أصبحوا، فقال لهم: ما أنتم بمنطلقين حتى تطعموا أو تزوّدوا، فقام رجل منهم وضحك إلى صاحبه، فقال عمرو : ولم ضحكت ؟ فقال: أبشر ببشرى الله ورسوله، فقال عمرو : وما ذاك ؟ فقال: بعثنا رسول الله (ص) في هذا الفج، وأخبرناه أنه ليس لنا زاد ولا هداية الطريق، فقال: ستلقون رجلاً صبيح الوجه يطعمكم الطعام ويسقيكم مِن الشراب ويدلّكم على الطريق، هو مِن أهل الجنة، فلم نلق مَن يوافق نعت رسول الله النبي (ص) غيرك، فركب عمرو بن الحمق معهم وأرشدهم على الطريق، ثم سار عمرو بن الحمق إلى رسول الله  (ص) حتى بايعه وأسلم، وكان إسلامه بعد الحُدَيبية سنة 6هـ وشارك مع رسول الله صلى الله عليه واله في غزواته

كان لعمرو من العمر يوم أسلم خمسة وعشرون عاماً،

حياته بعد وفاة النبي (صلى الله عليه واله)

 فقد سكن عمرو مصر ثم جاء إلى الكوفة، فكانت حياته كسائر حياة أصحاب أمير المؤمنين (ع) في الانصياع لأوامره بالصبر والثبات لحفظ شرعة الإسلام حتى بدأ دوره الثاني في محاربة الفساد فكان أحد أقطاب الثورة التي قام بها المسلمون ضد الخليفة الثالث والتي أطاحت به.

جهاده مع امير المؤمنين عليه السلام

بعد مقتل عثمان وتولي أمير المؤمنين (ع) الخلافة شهد عمرو بن الحمق حروب أمير المؤمنين الثلاث: الجمل وصفين والنهروان وساهم فيها بكلِّ صَلابَةٍ وثبات‏، وكان ولاؤه للإمام عظيماً، حتى قال له (ع): (ليتَ أنَّ في جندي مائة مِثلك يا خزاعي)، ففي وقعة صِفِّين قال عمرو بن الحمق لأمير المؤمنين (ع): (إِنِّي والله يا أمير المؤمنين، ما أجبتك، ولا بايعتك على قرابة بيني وبينك، ولا إرادة مال تؤتينيه، ولا التماس سلطان يُرفَع ذكري به، ولكن أحببتُك لِخِصال خمس: إنك ابن عم رسول ‏الله (ص)، وأوّل من آمن به، وزوج سيِّدة نساء الأُمَّة فاطمة (ع) بنت محمد (ص)، وأبو الذرّيّة التي بقيت فينا من رسول ‏الله (ص)، وأعظم رجلٍ من المهاجرين سَهماً في الجهاد،  فلو أنِّي كُلِّفت نقل الجبال الرواسي، ونزح البحور الطوامي، حتى يأتي عليَّ يومي في أمر أقوِّي به وليَّك، وأوهن به عدوَّك، ما رأيت أني قد أديت فيه كل الذي يحقّ عليَّ من حقك).

فقال أمير المؤمنين: (اللَّهُمَّ نَوِّر قلبَه بالتقى، واهدِهِ إلى صراط مستقيم).      

ولما أنشأ أمير المؤمنين (ع) أيام خلافته (شَرَطَة الخميس) كان عمرو بن الحمق الخزاعي منهم إلى سائر المخلصين من أصحاب علي (ع) كالأصبغ بن نباتة، وميثم التمار، ورشيد الهجري، وحبيب بن مظاهر، وحجر بن عدي وغيرهم وقد تسمّوا بالشرطة لأنهم اشترطوا على أنفسهم الوفاء لعلي (ع)، وشرط لهم الجنة، وهذا ما حدّث به أمير المؤمنين من أن النبي (ص) فعل ذلك مع جماعة من أصحابه كسلمان والمقداد وعمار حيث قال لهم النبي(ص): (تشرطوا فإني لست أشارطكم إلا على الجنة).

ولذا وصف علماء الرجال عمرواً بأنه من أصفياء أصحاب علي (ع). وبلغ من إيمانه المطلق لله ولرسوله ولوصيه أنه قال لأمير المؤمنين (ع): (ليس لنا مَعَك رأي) يقصد إن كل رأي لأمير المؤمنين نافذ عليه   

كان عمرو من قادة جيش أمير المؤمنين (ع) في حروبه الثلاث، وكانت له مواقف بطولية رائعة مشرقة في ساحات القتال فلمع اسمه بين القادة الأبطال في الجيش العلوي، ففي صفين وزّع أمير المؤمنين (ع) أدوار القادة في جيشه كما يلي: على ميمنته: الأشتر النخعي، وسعيد بن قيس الهمداني وعلى ميسرته: عمار بن ياسر، وشريح بن هاني، وعلى القلب: محمد بن أبي بكر، وعدي بن حاتم الطائي، وعلى الجناح: زياد بن كعب وحجر بن عدي الكندي، وعلى الكمين: عمرو بن الحمق وجندب بن زهير

ومن مواقفه في ذلك اليوم أنّه قد وقف بين الصفّين وهو يخاطب أمير المؤمنين(ع) بقوله: (يا أمير المؤمنين أنت ابن عم نبينا، وأول المؤمنين إيماناً بالله عزّ وجل)

ولما وقعت الفتنة في جيش الإمام نتيجة المؤامرة الدنيئة من قبل عمرو بن العاص في رفع المصاحف، قال عمرو بن الحمق لأمير المؤمنين(ع): (يا أمير المؤمنين، إنا والله ما اخترناك ولا نصرناك عصبية على الباطل، ولا أحببنا إلاّ الله عزّ وجل، ولا طلبنا إلاّ الحقّ، ولو دعانا غيرك إلى ما دعوت إليه لكان فيه اللّجاج وطالت فيه النجوى، ... حتى بلغ قوله: وليس لنا معك رأي)

الوداع الأخير:

بعد ذلك الجهاد العظيم مع أمير المؤمنين (ع) يشهد عمرو أشد اللحظات ألماً في حياته، وهي لحظات احتضار أمير المؤمنين (ع) فيدخل عليه حين ضُرب الضربة التي استشهد فيها بالكوفة، فيقول له: (ليس عليك بأس، إنما هو خدش).

إنه لا يريد أن يصدق أن يفارق هذا الإنسان الذي لا مثيل له في الأرض،

كان هذا شعور عمرو بن الحمق وهو يعيش لحظات الفراق وما أشده من ألم وحزن كحزن من ذبح وحيدها في حجرها كما وصفه ضرار، ويؤكد أمير المؤمنين هذا الفراق بقوله لعمرو: (لعمري أني مفارقكم).

ويُغمى على أمير المؤمنين (ع) بين ساعة وأخرى وعمرو يريد أن يتزوّد منه ما أمكنه، يقول عمرو: بعد أن أفاق علي من إغمائه سمعته يقول: (طوبى لهم وطوبى لكم، وطوباهم أفضل من طوباكم، قال: قلت: صدقت يا أمير المؤمنين، طوباهم برؤيتك، وطوبانا بالجهاد معك، وطوبانا بطاعتك، ومن هؤلاء الذين طوباهم أفضل من طوبانا؟ قال(ع): أولئك شيعتي الذين يأتون من بعدكم، يطيقون ما لا تطيقون ويحملون ما لا تحملون.

ولكن أمير المؤمنين(ع) طمأن عمرو بأنه سيمضي شهيداً على الحق وعلى ولايته فقال له: (يا عمرو انك لمقتول بعدي، وان رأسك لمنقول، وهو أول رأس ينقل في الاسلام. والويل لقاتلك).  

وهذه الشهادة قد أخبره قبلها بها رسول الله(ص) وكلا الشهادتين من منبع واحد حيث كان عمرو يقول في حياته:

 (والله لو كنت في جوف حجر لاستخرجني... حدثني بذلك رسول الله (ص)

 إنّ رأسي أول رأس ينحر في الاسلام وينقل من بلد إلى بلد                                                    

   الشهادة:

بعد استشهاد أمير المؤمنين (ع) بدأت مرحلة ثانية من صفحات الجهاد في حياة عمرو بن الحمق، وهي التصدي للأمويين ومقارعة ظلمهم وجورهم وفسادهم، وكان عمرو صديقاً لحجر بن عدي الكندي ورفيقه دربه في الجهاد وشريكه في ثورته، يقول الطبري:

ثم كانت حادثة حجر بن عدي الكندي، فأبلى عمرو فيها بلاء حسناً، وضربه رجل من الحمراء  شرطة زياد - يدعى بكر بن عبيد بعمود على رأسه فوقع، وحمله الشيعة فخبأوه في دار رجل من الأزد، ثم خرج فاراً وصحبه الزعيم الآخر رفاعة بن شداد ـ وهو من رجال ثورة حجر ـ فيمما المدائن ثم ارتحلا حتى أتيا أرض الموصل فكمنا في جبل هناك، واستنكر عامل ذلك الرستاق شأنهما فسار اليهما بالخيل، فأما عمرو فلم يصل الموصل إلا مريضاً بالاستسقاء، ولم يكن عنده امتناع. واما رفاعة بن شداد - وكان شاباً قوياً - فوثب على فرس له جواد، وقال لعمرو: أقاتل عنك، قال: وما ينفعني أن تقاتل، إنج بنفسك إن استطعت. فحمل عليهم فأفرجوا له، فخرج تنفر به فرسه، وخرجت الخيل في طلبه - وكان رامياً - فأخذ لا يلحقه فارس إلا رماه فجرحه أو عقره فانصرفوا عنه. وسألوا عمراً: من انت ؟ فقال: من ان تركتموه كان أسلم لكم، وان قتلتموه كان أضرّ لكم !. فسألوه فأبى ان يخبرهم، فبعث به ابن أبي بلتعة، عامل الرستاق، الى عامل الموصل، وهو (عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عثمان الثقفي)، فلما رأى عمرو بن الحمق عرفه، وكتب الى معاوية بخبره، فأمره معاوية بأن يطعنه تسع طعنات كما كان فعل بعثمان فطعن ومات بالأولى منهن أو الثانية)

ويقول ابن عبد البر: ثم اجتز رأسه وأرسله إلى معاوية بالشام فأمر به أن يطاف به في الشام وغيرها). وكان رفاعة قد توارى عنهم فلما قتلوا عمرواً وقطعوا رأسه وأخذوه معهم خرج رفاعة فدفن جثته وبقي رفاعة حتى خرج مع الحسين(ع) في ثورته واستشهد معه يوم الطف. (5)

آمنة بنت الشريد:

وكان معاوية قد أمر بسجن زوجة عمرو بن الحمق آمنة بنت الشريد في دمشق بتهمة عدم البراءة من علي (ع) فبقيت في السجن لمدة سنتين فلما قتل زوجها وجيء برأسه إلى الشام أمر بإرساله إليها فرموه في حجرها وهي في السجن، فوضعت كفها على جبينه، ولثمت فمه، وقالت: (غيبتموه عني طويلاً، ثم أهديتموه اليّ قتيلاً، فأهلاً به من هدية غير قالية ولا مقلية). ثم قالت لرسول معاوية (بلّغ أيها الرسول عني معاوية ما أقول: أيتم الله ولدك وأوحش منك أهلك ولا غفر لك ذنبك، وطلب الله بدمه، و عجل الوبيل من نقمه، فقد أتى أمراً فرياً و قتل باراً تقياً فأبلغ أيها الرسول معاوية ما قلت)

فبلغ الرسول ما قالت فبعث إليها فقال لها: أنت القائلة ما قلت؟

قالت: (نعم غير ناكلة عنه و لا معتذرة منه)

فقال لها: اخرجي من بلادي

قالت: (أفعل، فو الله ما هو لي بوطن، ولا أحن فيها إلى سجن، و لقد طال بها سهري، واشتد بها عبري، وكثر فيها ديني، من غير ما قرت به عيني)

فقال عبد الله بن أبي سرح الكاتب: (إنها منافقة فألحقها بزوجها)

فنظرت إليه فقالت: (يا من بين لحييه كجثمان الضفدع ثم أنت تدعوه إلى قتلي كما قتل زوجي بالأمس ألا قلت من أنعمك خلعاً وأصفاك كساء إنما المارق المنافق من قال بغير الصواب و اتخذ العباد كالأرباب فأنزل كفره في الكتاب)

فأومئ معاوية إلى الحاجب بإخراجها، فقالت: (وا عجباه من ابن هند يشير إلي ببنانه و يمنعني نوافذ لسانه أما و الله لأبقرنه بكلام عتيد كنواقد الحديد أو ما أنا بآمنة بنت الشريد) واستمرت المحاورة بينهما فأخرست هذه اللبوة الشجاعة هذا الطاغية بفصاحة لسانها وصلابتها في دينها

وذكر السيد هاشم معروف الحسني: (إنه ـ أي معاوية ـ أمر بقتلها وكانت أول امرأة قتلت في الإسلام بعد أن عرض عليها البراءة من علي (ع) فامتنعت عليه وتبرأت منه ومن جلاديه ومن يحابيه بفعل أو قول.)

وأي فرق بين قتلها بالسيف وبين وضعها مكبلة في سجون دمشق ليفاجئها برأس زوجها الصحابي الجليل ابن الثمانين سنة بعد أن طاف به في البلدان، وقد اقتدى به ولده يزيد من بعده فطاف برأس الحسين (ع) ونسائه في البلدان وانتهى به المطاف ليضعه في قصر الحمراء بين يديه وينكث ثناياه بمخصرته بحضور نسائه وشقيقاته وأطفاله) (6)

 وكانت شهادة عمرو بن الحمق مع زوجته الشهيدة آمنة بنت الشريد عام (50هـ) وقد بلغ الثمانين من عمره وقد أبلته العبادة كما وصفه الإمام الحسين في رسالته التي بعثها إلى معاوية حيث يقول فيها

(ألست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول اللّه (ص) العبد الصالح الذي أبلته العبادة - فأنحلت جسمه، وصفرت لونه، بعدما أمنته واعطيته من عهود اللّه ومواثيقه ما لو أعطيته طائراً لنزل اليك من رأس الجبل، ثم قتلته جرأة على ربك واستخفافاً بذلك العهد)

و يشير الإمام (ع) بذلك العهد الى نصوص المادة الخامسة في معاهدة الصلح بينه وبين الإمام الحسن (ع) والتي تعهد بها على أن لا يتعرض بالأذى لأحد من أصحاب أمير المؤمنين (ع) لكن معاوية نكث بكل فقرات العهد

وتضاف شهادة أخرى إلى شهادة الإمام الحسين (ع) بحق عمرو وهي من معصوم أيضا تدل على منزلة عمرو بن الحمق العظيمة لدى أهل البيت (ع) وهي من الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع) كما ورد عنه قوله: (إِذَا كانَ يوم القيامة، ينادي منادٍ: أين حواري علي بن أبي ‏طالب (ع) وصِي محمد بن عبد الله رسول‏ الله (ص) ؟ فيقوم عمرو بن الحمق الخزاعي، ومحمَّد بن أبي ‏ بكر، وميثم بن يحيى التمَّار، مولى بني أسد، وأُوَيس القرني‏)

لقد طابت نفس عمرو إلى الشهادة فتقدم إليها بقدم الواثق المطمئن الذي سيلاقي ربه بروح وريحان وجنة نعيم، فلم ترهبه سيوف الجلادين، ولا سجون الظالمين، فنطق بالحق وعمل به حتى مضى على نهج الإسلام المحمدي الأصيل تحت راية الحق التي رفعها أمير المؤمنين (ع
 المصـــــــــادر

 

 (1ــ تاريخ الطبري  ج 3 ص 209 / الكامل لابن الأثير  ج 2 ص 325

 (2ــ العقـد الفريـد ج 3 ص 271 / الغدير ج 3 ص 254 / شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد  ج 2 ص 44

3  (3ــ شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد ج ٩ ص ٥٣

4 (4 ــ شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد ج 4 ص 51

5  (5ــ الإستيعاب ج 2 ص 517

6  (6ــ الانتفاضات الشيعية عبر التاريخ ص 307

7  (7ــ تاريخ الطبري ج 5 ص

 

 

اعداد

حسين ال جعفر الحسيني