((حبيب بن مظاهر الأسدي))
حبيب بن مُظاهر الأسدي، من خواص أصحاب أمير المؤمنين علي (ع) ومن أوائل الكوفيين الذين كتبوا للإمام الحسين (ع) بعد وفاة معاوية يدعونه للقدوم إليهم، فلمّا رأی نكث العهد من الكوفيين أتى في الخفاء إلى الحسين بكربلاء، واستشهد بين يدَيه يوم عاشوراء.
اسمه، كنيته ونسبه:
حبيب بن مُظَهَّر (أو مُظاهر) بن رئاب بن الأشتر بن حجوان بن فقعس بن طريف بن عمرو بن قيس بن حارث بن ثعلبة بن دودان بن أسد الأسدي الكندي الفقعسي،[1] من قبيلة بني أسد، وكان يلقب بأبي القاسم.[2]
جاء في المصادر التاريخية أنّ اسم أبيه (مُظاهر) تارة[3] و(مًظهّر) أخرى [4] وبعضها أثبته (مُطهّر)، [5] والصحيح ــ كما عن المامقاني وبقرينة الزيارات وما اشتهر على الألسن ــ (مُظاهر)،[6] فيما مال السيد محسن الأمين لتصحيح مُظهر على وزن مطهر، وقال: ما ذكرته الكتب الحديثة أنه ابن مظاهر خلاف المضبوط قديماً.[7]
فضائله:
هو من أشهر أصحاب الإمام الحسين (ع) وكان من السبعين رجلا الذين نصروه في كربلاء وصبروا على البلاء حتى قتلوا معه، وكان من أصحاب الإمام علي والحسن (عليهما السلام).[8]
كان عابداً ورعاً تقياً ومراعياً لحدود الله تعالى، حافظاً للقرآن الكريم، وكان يختمه في كل ليلة من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر.[9]
قال العلامة الأمين العاملي في أعيان الشيعة: (كان حبيب من الجماعة الذين نصروا الحسين (ع) ولقوا جبال الحديد واستقبلوا الرماح بصدورهم والسيوف بوجوههم، وهم يُعرض عليهم الأمان والأموال فيأبون، ويقولون لا عذر لنا عند رسول الله (ص) إن قتل الحسين ومنا عين تطرف حتى قتلوا حوله.[10]
صحبته للنبي الأكرم (ص):
اختلفت كلمة الرجاليين في حبيب بن مظاهر هل كان صحابياً أو تابعياً، فذهب البعض كابن الكلبي[11] وابن حجر العسقلاني [12] إلى القول بأن حبيباً أدرك النبي (ص) وصاحبه.
لم يذكر الشيخ الطوسي في كتابه أنه كان من أصحاب رسول الله (ص)،[13] وكذلك صاحب كتاب الإستيعاب وأسد الغابة.[14]
مصاحبته لأمير المؤمنين (ع):
ذكر أهل السير: إن حبيباً نزل الكوفة، وصحب علياً (عليه السلام) في حروبه كلها، وكان من خاصته وحملة علومه.[15] إذ تعلم منه علم المنايا والبلايا [16] [17] وكان من رجال شرطة الخميس المدافعين عن أمير المؤمنين عليه السلام، [18]
له حكاية تكشف عن معرفته بعلم المنايا والبلايا عن فضيل بن الزبير، قال: مرّ ميثم التمار على فرس له فاستقبل حبيب بن مظاهر الاسدي عند مجلس بني أسد، فتحدثا حتى اختلف أعناق فرسيهما. ثم قال حبيب: لكأني بشيخ أصلع ضخم البطن يبيع البطيخ عند دار الزرق، قد صلب في حب أهل بيت نبيه (عليه السلام)، ويبقر بطنه على الخشب، فقال ميثم: واني لاعرف رجلا أحمر له ضفيرتان يخرج لينصر ابن بنت نبيه فيقتل ويجال برأسه بالكوفة.[19]
مع الإمام الحسين (ع):
في الكوفة
لما بلغ أهل الكوفة هلاك معاوية اجتمعت الشيعة في منزل سليمان بن صرد الخزاعى فذكروا هلاك معاوية فحمدوا الله وأثنوا عليه، وكتبوا إلى الحسين (ع): بسم الله الرحمن الرحيم للحسين بن علي (عليهما السلام) من سليمان بن صرد، والمسيب بن نجية، ورفاعة بن شداد البجلى، وحبيب بن مظاهر، وشيعته المؤمنين والمسلمين من أهل الكوفة، سلام عليك فانا نحمد اليك الله الذي لا اله إلا هو، اما بعد فالحمد لله الذى قصم عدوك الجبار العنيد... إنّه ليس علينا إمام فاقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الحق.[20] ولما ورد مسلم بن عقيل الكوفة ونزل في دار المختار بن أبي عبيد الثقفي وأقبلت الشيعة تختلف اليه جعل حبيب ومسلم بن عوسجة يأخذان البيعة للحسين (ع) في الكوفة [21] حتى إذا دخلها عبيد الله بن زياد وخذل أهلها عن مسلم وتفرق أنصاره حبسهما عشائرهما وأخفياهما، فلما ورد الحسين (ع) كربلاء خرجا اليه مختفيين يسيران الليل ويكمنان النهار حتى وصلا اليه.[22]
رسالة الحسين (ع) إليه:
جاء في بعض المصادر المتأخرة:
لما علم الحسين (ع) بقتل ابن عمه مسلم بن عقيل (ع)، ونقض أهل الكوفة لدعوته، وغدرهم، عقد اثنتي عشرة راية، وأمر بأن تحمل كل جماعة راية من الرايات وأبقى واحدة، فأتي اليه أصحابه وقالوا له: يا ابن رسول الله (ص) دعنا نرتحل من هذه الأرض. فقال لهم: صبرا حتي يأتي الينا من يحمل هذه الراية الأخري. فقال له بعضهم: سيدي! تفضل علي بحملها. فجزاه الحسين عليه السلام خيرا و قال: يأتي اليها صاحبها. ثم كتب كتاباً جاء فيه:
من الحسين بن علي بن أبي طالب الي الرجل الفقيه حبيب بن مظاهر: أما بعد، يا حبيب: فأنت تعلم قرابتنا من رسول الله (ص)، و أنت أعرف بنا من غيرك، و أنت ذو شيمة وغيرة، فلا تبخل علينا بنفسك، يجازيك جدي رسول الله (ص) يوم القيامة. ثم أرسله الي حبيب.[23]
في كربلاء:
لمّا وصل حبيب إلى الحسين (ع) ورأى قلة أنصاره وكثرة محاربيه قال للحسين (ع): إن هاهنا حيّا من بني أسد فلو أذنت لي لسرت إليهم ودعوتهم إلى نصرتك لعل الله أن يهديهم وأن يدفع بهم عنك، فاذن له الحسين (ع) فسار إليهم حتى وافاهم فجلس في ناديهم ووعظهم وقال في كلامه: يا بني أسد قد جئتكم بخير ما أتى به رائد قومه، هذا الحسين بن علي أمير المؤمنين وابن فاطمة بنت رسول الله (ص) وقد نزل بين ظهرانيكم في عصابة من المؤمنين، وقد أطافت به اعداؤه ليقتلوه، فاتيتكم لتمنعوه وتحفظوا حرمة رسول الله (ص) فيه... [فخرجوا معه] فعارضهم عمر بن سعد ليلاً ومانعهم فلم يمتنعوا فقاتلهم، فلما علموا أن لا طاقة لهم بهم تراجعوا في ظلام الليل، وعاد حبيب إلى الحسين (ع) فأخبره بما كان، فقال عليه السلام: وما تشاؤون الا ان يشاء الله ولا حول ولا قوة إلا بالله.[24]
في عصر التاسع من محرّم:
أرسل ابن سعد قرة بن قيس الحنظلي فلما رآه الحسين مقبلا قال: أتعرفون هذا؟ فقال حبيب بن مظاهر: نعم، هذا رجل من حنظلة تميم وهو ابن أختنا ولقد كنت أعرفه بحسن الرأي، فلما قدم قال له حبيب بن مظاهر: ويحك يا قرّة بن قيس أين ترجع إلى القوم الظالمين،[25] وروى الطبري أنّه لما زحف ابن سعد إلى الحسين (ع) يوم التاسع من المحرم، أتاهم العباس في نحو من عشرين فارسا فيهم: زهير بن القين وحبيب بن مظاهر... فقال لهم حبيب بن مظاهر: أما والله لبئس القوم عند الله غدا قوم يقدمون عليه قد قتلوا ذرّية نبيّه (ع) وعترته وأهل البيت وعباد أهل هذا العصر المتهجدين بالأسحار والذاكرين الله كثيراً....[26]
في ليلة عاشوراء:
ذكر أرباب المقاتل أنه لما خرج الحسين عليه السلام في جوف الليل إلى خارج الخيام يتفقد التلاع والعقبات تبعه نافع بن هلال الجملي... ثم رجع عليه السلام وهو قابض على يد نافع، ثم دخل الحسين خيمة زينب ووقف نافع بإزاء الخيمة ينتظره فسمع زينب تقول له: هل استعلمت من أصحابك نياتهم فإني أخشى أن يسلموك عند الوثبة. قال نافع: فلما سمعت هذا منه بكيت وأتيت حبيب بن مظاهر وحكيت ما سمعت منه ومن أخته زينب. قال حبيب: والله لولا انتظار أمره لعاجلتهم بسيفي هذه الليلة، ثم قال حبيب لاصحابه: هلموا معي لنواجه النسوة ونطيب خاطرهن، فجاء حبيب ومعه أصحابه وصاح: يا معشر حرائر رسول الله هذه صوارم فتيانكم آلوا ألا يغمدوها إلا في رقاب من يريد السوء فيكم وهذه أسنّة غلمانكم أقسموا ألا يركزوها إلا في صدور من يفرق ناديكم.[27]
في يوم عاشوراء:
في صباح العاشر من المحرم جعل الإمام الحسين عليه السلام زهير بن القين على الميمنة، وحبيب بن مظاهر على الميسرة ووقف في القلب وأعطى الراية لأخيه العباس. [28] ولما دعا الإمام الحسين (ع) براحلته فركبها ونادى بصوت عال يسمعه جلهم: أيها الناس اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتى أعظكم بما هو حق لكم عليّ.... أو لم يبلغكم قول رسول الله لي ولأخي: هذان سيدا شباب أهل الجنة؟! رد عليه الشمر قائلا: هو يعبد الله على حرف إن كان يدري ما يقول! فقال له حبيب بن مظاهر: والله إنّي أراك تعبد الله على سبعين حرفا وأنا أشهد أنّك صادق ما تدري ما يقول قد طبع الله على قلبك!. [29] ولمّا دنا عمر بن سعد من معسكر الحسين (ع) ورمى بسهم ارتمى الناس ، فلما ارتموا خرج يسار مولى زياد بن أبي سفيان وسالم مولى عبيد الله بن زياد فقالا: من يبارز؟ ليخرج الينا بعضكم . فوثب حبيب بن مظاهر وبرير بن حضير فقال لهما حسين: اجلسا. ولما رأى أبو ثمامة الصيداوي حلول وقت الصلاة، قال للحسين عليه السلام: يا أبا عبد الله نفسي لنفسك الفداء هؤلاء اقتربوا منك ولا والله لا تقتل حتى اقتل دونك وأحبّ أن ألقى الله ربّي وقد صليت هذه الصلاة، فقال (ع): سلوهم أن يكفوا عنا حتى نصلي، فقال الحصين بن نمير: إنّها لا تقبل، فقال حبيب بن مظاهر: لا تقبل الصلاة زعمت من ابن رسول الله وتقبل منك يا ختار ( يا حمار)، فحمل عليه الحصين بن نمير وحمل عليه حبيب فضرب وجه فرسه بالسيف فشب به الفرس ووقع عنه الحصين فاحتوشته أصحابه فاستنقذوه من حبيب.[30] قالوا: ولمّا صُرع مسلم بن عوسجة مشى إليه الحسين (ع ) ومعه حبيب ، فقال حبيب: عزَّ عليَّ مصرعك يا مسلم، أَبشر بالجنّة، فقال له مسلم قولاً ضعيفاً: بشّرك اللّه بخير. فقال حبيب : لولا أنّي أعلمُ أنّي في أثرك لاحقٌ بك من ساعتي هذه لأحببتُ أن توصي إليَّ بكلّ ما أهمّك حتّى أحفظك في كلّ ذلك بما أنت له أهل من الدين والقرابة. فقال له: بلى، أوصيك بهذا رحمك اللّه! وأومأ بيديه إلى الحسين (ع ) أنْ تموت دونه، فقال حبيب: أفعل وربّ الكعبة. وفي رواية لأنعمنك عيناً.[31]
ارتجاز حبيب يوم عاشوراء;
كان حبيب بن مظاهر يرتجز يوم عاشوراء ويقول:
أنا حبيب وأبـــــــــي مظاهر |
فارس هيجاء وحرب تسعر |
|
أنتم أعــــــــد عـــــــــدّة وأكثر |
ونـــــــحن أوفي منكم وأصبر |
|
ونحن أعلي حجّة وأظهر |
حـــــقاً وأتقي منكم وأعـــــذر [32] |
شهادته:
قتاله في المعركة
برز حبيب بن مظاهر الأسدي في المعركة وقاتل قتالا شديداً، ثم حمل عليه بُديل بن صُرَيم فطعنه فذهب ليقوم فضربه الحصين بن نمير على أمّ رأسه بالسيف فوقع ونزل بديل فاجتز رأسه وأخذ فعلقه في عنق فرسه،[33] فهد مقتله الحسين عليه السلام، فقال: عند الله أحتسب نفسي وحماة أصحابي،[34] وفي رواية قال عليه السلام: لله دَرُّكَ يا حبيب، لقد كنتَ فاضلاً تختم القرآن في ليلة واحدة.[35]
روي أن لحبيب ولد إسمه القاسم فلما بلغ الحلم قتل بديل بن صريم.[36]
دفنت بنو أسد حبيب بن مظاهر على بعد عشرة أمتار من رأس الحسين (عليه السّلام) حيث قبره الآن في الرواق الشرقي من الروضة الحسينية، اعتناء بشأنه ولمكانته في العشيرة
حبيب بن مظاهر الأسدي وحبه للحسين عليه السلام في صغره:
نقل لي عن بعض العلماء قولهم قصة اوردها هنا تناسب المقام
كان الامام الحسين عليه السلام في طفولته وحبيب بن مظاهر شابا في العشرين، وكان يعشق الحسين عليه السلام عشقا جنونيا
حتى أنه كان يتبع أثره أينما ذهب فلاحظ والده تلك الحالة على ولده حبيب فسأله عن سبب ذلك،.
أجابه حبيب أبي إني أحب الحسين عليه السلام بجنون وانجذب إليه بمجرد النظر إليه تنتابني حالة من الذوبان فيه
ساله أبوه وماذا تتمنى يا حبيب
قال حبيب، أتمنى لو يزورنا الحسين في بيتنا، فوعده والده أن يكلم الإمام علي عليه السلام ويدعوهم إلى بيته
فوافق الإمام علي عليه السلام أن يحضر إلى الوليمة التي أعدها مظاهر والد حبيب ،ولقد طلب مظاهر من الإمام أن يحضر معه الحسنين عليهما السلام معه وأخبره بمدى حب حبيب للحسين عليه السلام
وفي يوم الوليمة كان حبيب مرتبكا ومشتاقا وفرحا بقدومهم إليهم وكان يصعد السطح وينزل ليراقب وصولهم وعندما لاح له نورهم ارتبك حبيب وتعثر فسقط من أعلى السطح ومات وعندما رأى مظاهر ابنه هكذا..
خجل من الإمام علي عليه السلام فأخذ الجثة وخبأها حتى ينتهي من ضيافة الإمام وأولاده عليهم السلام
ثم يقوم بدفن ابنه
وعندما دخل الإمام علي عليه السلام لم يخبره مظاهر بوفاه ابنه تأدبا مع الضيف لكن الإمام سأله عنه وقال له أن حبيب مشتاق للحسين عليه السلام وها هو الامام الحسين عليه السلام في بيته أين هو.
فأخذ مظاهر بالإعتذار بأن حبيب مشغول بعض الشيئ
كرر الإمام السؤال وفي كل مرة مظاهر يبحث عن عذر لكن الإمام ألح عليه بأن ينادي حبيب
فاعترف مظاهر بما حدث لولده فطلب الإمام علي عليه السلام رؤية
جثته وعندما نظر إليه سالت دموعه ونظر للحسين عليه السلام وقال له بني ُحسين إن هذا الشاب يحبك وقد مات شوقا إليك فماذا تصنع له ودمعت عين الحسين عليه السلام ورفع طرفه الى السماء وطلب من الله أن يحيا كرامة للحسين عليه السلام ولحب الامام الحسين عليه السلام
استجاب الله للحسين عليه السلام في الحال وعاد حبيب للحياة، وقال الإمام علي عليه السلام لحبك للحسين عليه السلام ياحبيب ستكون مسجل زوار ولدي الحسين عليه السلام فلا يزوره إلا من سجلت اسمه يا حبيب لذلك يقال في زياره حبيب السلام على من حيا الحياتين ومات الموتتين.
الهوامش:
المصادر والمراجع:
اعداد
حسين ال جعفر الحسيني