الشريف المرتضى
علي بن الحسين بن موسى (355- 436 هـ) المعروف بـالسيد المرتضى والشريف المرتضى وعلم الهدى، سند الشيعة و نقيب الطالبيين في بغداد وأمير الحاج والمظالم بعد أخيه السيد الرضي، وكان منصب أبيهم قبل ذلك.[1]
وهو من فقهاء ومتكلمي الإمامية ومرجعهم بعد وفاة أستاذه الشيخ المفيد. وكان متعمقاً في علم الكلام والمناظرة في كل مذهب. وتشمل سعة تخصصه العلمي في الفقه والأصول والأدب واللغة والتفسير والتاريخ والتراجم،[2] وله شعر في الطف أيضاً.
الولادة والوفاة والنسب
هو علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن ابراهيم بن الإمام موسى الكاظم المولود سنة 355 هـ والمعروف بالسيد المرتضى والشريف المرتضى وعلم الهدى والمكنى بأبي القاسم وهو الأخ الأصغر للسيد الرضي.[3]
وكان أبوه عالماً وزعيم الطالبيين ونقيبهم[4] وأمه فاطمة بنت الحسن (أو الحسين) بن أحمد بن الحسن بن علي بن عمر الأشرف بن علي بن الحسين بن علي بن عمر الأشرف بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (المتوفى سنة 385 هـ).[5]
يقول النجاشي: مات لخمسٍ بَقَيْنَ من شهر ربيع الأول سنة (436 هـ) وصلّى عليه ابنه في داره ودفن فيها، وتولَّيتُ غسله ومعي الشريف أبو يعلي محمد بن الحسن الجعفري وسلار بن عبد العزيز[6] قيل ونُقل جثمانه بعد ذلك من بغداد إلى كربلاء ليُدفن بالقرب من مرقد الإمام الحسين [7] ويؤيد ذلك ما ذكره ابن ميثم (المتوفى 679 هـ). إذ يقول في شرحه لنهج البلاغة: دفن السيد الرضي مع أخيه المرتضى إلى جوار جده الحسين .[8]
ولكن يستبعد القزويني نقل الجثمان إلى كربلاء، ويقول بأن هذا القول "على شهرته لا ينهض بقيام الدليل على نقله"[9] وذلك بسبب تضارب الروايات التاريخية في ذلك إضافة إلى عدم وجود موضع لقبره في مدينة كربلاء، وإنما هناك مزار له في مدينة الكاظمية.[10]
دراسته
لم يُعلم بشكل دقيق متى بدأ السيد المرتضى بالدراسة وبماذا بدأ، ولكنّ الثابت أنّه درس الأدب لدى ابن نباتة في صغره وذلك بين سن الثانية عشر والخامسة عشر ، وعلى هذا الأساس عندما أخذته أمه إلى الشيخ المفيد لدراسة الفقه لم يكن عمره أقل من خمسة عشر ، وذلك لأنّ أخاه الرضي الذي يصغره بأربع أو خمس سنوات كان معه. ومن البعيد أنْ يكون قد درس الفقه قبل أن يتلقَ مقداراً من العلوم الأدبية والتي تُعد مقدمة للفقه. وتُراثه العلمي دليل صادق على أنّه بذل قصارى جهده منذ الصغر في طلب العلم بحيث أصبح مرجعاً في الفقه والكلام في سن السابعة والعشرين وكان يرجع إليه بعد ذلك الإمامية وغيرهم من البلاد الإسلامية المختلفة عبر الرسائل والكتب.[11]
المكانة العلمية والاجتماعية
إنّ المكانة العلمية للسيد المرتضى غنية عن البيان فهو دون شك من أكبر علماء الشيعة الامامية ويظهر من مؤلفاته الكثيرة في العديد من علوم عصره كالكلام والفقه والأصول والتفسير والفلسفة الإلهية والفلك وأقسام الأدب كاللغة والنحو والمعاني والإنشاء والشعر وأمثالها فهو استاذ ماهر بل وحيد عصره. وكان قد انصبّ أكبر جهده على الفقه والكلام والأدب وقد خدم المذهب الإمامي من خلال هذا الطريق وأدّى إلى استحكام آرائه الأصلية والفرعية.
ويقوم منهجه في الأصول على الدليل العقلي ومن هنا لا يختلف مع الأشاعرة فقط وإنّما مع أهل الظاهر من الإمامية. ولم يعمل في الفقه بخبر الواحد وكان يستفيد في استنباط الأحكام من الأدلة الأصولية اللفظية والعقلية وهذا ما يميزه عن المحَدِّثين والأخباريين من الإمامية.[12] إنّ السيد المرتضى فقيه الإمامية ومتكلمهم ومرجعهم بعد وفاة أستاذه الشيخ المفيد، وكتابه الشافي في الإمامة أوضح دليل على تعمّقه في علم الكلام والمناظرة في كلّ مذهب.
ورسائله وكتبه في الفقه والأصول شاهد على تسلّطه. ويأتي كتابه الأمالي في الأدب واللّغة والتفسير والتاريخ والتراجم كبرهان ناصع على سعته المعرفية في العلوم.[13] يقول تلميذه الشيخ الطوسي:
هو متوحّد في علومٍ كثيرة، مجمَع على فضله، مقدمٌ في العلوم مثل علم الكلام والفقه وأصول الفقه والأدب والنحو الشعر واللّغة وغير ذلك.[14]
ويقول النجاشي: حاز من العلوم ما لم يُدَانه أحد في زمانه، وسمع من الحديث فأكثر وكان متكلماً شاعراً أديباً عظيمَ المنزلة في العلم والدين والدنيا.[15]
لقد كان السيد المرتضى عماد الشيعة ونقيب الطالبيين في بغداد وأمير الحج والمظالم بعد أخيه الرضيّ وكان ذلك منصب أبيهما من قبل. وكان يدفع الرواتب لتلامذته حيث يدفع لأبي جعفر الطوسي اثني عشر ديناراً في الشهر، والقاضي ابن البراج ثمانية دنانير. ويُعدّ الشيخ المفيد أهم أساتذته ومع ذلك كان يروي عن بعض مشايخ المفيد فهو يروي كثيراً على سبيل المثال عن أبي عبد الله محمد عمر ابن المرزباني البغدادي (المتوفى 378 هـ )حديث خطبة الزهراء والتي رواها في كتابه الشافي.[16]
وكان له بيتاً كبيراً قد اتخذه مدرسة يُدرّس فيها طلاب الفقه والكلام والتفسير واللّغة والشعر والعلوم الأخرى كعلم الفلك والحساب وتجري فيها المناظرات. ولم تقتصر المدرسة هذه على الطلبة الشيعة وإنّما كانت تضم طلاب العلم من كل مذهب وفرقة.[17]
أساتذته
لقد دَرَس هو وأخوه الشريف الرضي اللّغة والمبادئ عند ابن نباتة السعدي والفقه والأصول لدى الشيخ المفيد وتتلمذ على يد أبي عبد الله المرزباني في الشعر والأدب ويروي عنه أكثر رواياته في كتاب الأمالي ويروي كذلك فيه عن أبي القاسم عبيد الله بن عثمان بن يحيى بن جنيقا الدقّاق ، وأبي الحسن علي بن محمد الكاتب .وله أساتذة وشيوخ آخرون في الحديث والفقه والعلوم الأخرى نذكر بعضهم:[18]
تلامذته
لقد تتلمذ على يد السيد المرتضى عدد كبير من الطلبة منهم:[19]
1. شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي.
2. أبو يعلي سلار (سالار) بن عبد العزيز الديلمي.
3. أبو الصلاح تقي الدين بن نجم الحلبي.
4. القاضي أبو القاسم عبد العزيز بن البراج.
5. أبو الفتح محمد بن علي الكراجكي.
6. عماد الدين ذو الفقار محمد بن معبد الحسني.
7. أبو عبد الله جعفر بن محمد الدوريستي.
8. أبو الحسن سليمان بن الحسن الصهرشتي.
9. أبو الحسن محمد بن محمد البصروي.
10. أبو عبد الله بن تبان التباني.
11. الشيخ أحمد بن حسن النيسابوري.
12. أبو الحسن الحاجب.
13. نجيب الدين أبو محمد الحسن بن محمد الموسوي.
14. القاضي عز الدين عبد العزيز بن كامل الطرابلسي.
15. القاضي أبو القاسم علي بن محسن التنوخي.
16. المفيد الثاني أبو محمد عبد الرحمن بن أحمد الحسين.
17. الفقيه تقي بن أبي طاهر الهادي النقيب الرازي.
18. محمد بن علي الحلواني.
19. السيد أبو يعلي محمد بن حمزة العلوي.
20. الفقيه أبو الفرج يعقوب بن إبراهيم البيهقي.
وكان ممن يحضر مجالس درسه وحلقاته العلمية أبو العلاء المعري، فقد سكن في بغداد، وعندما عاد من العراق إلى المعرة سنة ( 400 هـ ) سألوه كيف وجدت السيد المرتضى؟ فقال :
يا سـائلي عنه لمـا جئت تسـأله |
ألا وهو الرجل العـاري من العــار |
|
لو جئته لرأيت الناس في رجل |
والدهر في ساعة والأرض في دار[20] |
مؤلفاته
ألّف السيد المرتضی العديد من الكتب منها:
ويعتبر كتاب الشافي أفضل طريق لمعرفة عمق الفكر الإمامي حول المذهب. وقد تطرق الكتاب إلى الفرق بين الزيدية والإمامية في الإمامة والفرق بين المعتزلة والإمامية، وتكذيب الاتهامات الموجهة ضد الشيعة في الاعتقاد بزيادة علم الإمام على النبي والاعتقاد بأنّه لولا الإمام لما قامت السماوات.[23]
ولقد بذل المرتضى جهوده لصرف ظواهر الآيات والأحاديث النبوية التي يستفاد منها نسبة الأخطاء والذنوب الصغيرة للأنبياء. واعتبر أئمة أهل البيت – وكما يقتضي مذهبه – كالأنبياء من حيث العصمة وحكم بحسن سيرتهم جميعاً.[25]
يحظ الكتاب بأهمية من جهتين: الأولى هي أنّه أول كتاب كامل في أصول فقه الشيعة الإمامية. فإنّ تأليف هذا الكتاب يعد مبدأ تاريخ استقلال علم أصول الشيعة الأمامية. والثانية: أنّ السيد ومثلما ذكر في مقدمة الكتاب قد استطاع الفصل بين مسائل أصول الفقه وأصول الدين بينما هناك خلط في الكتب التي سبقته.[31]
الهوامش
المصادر والمراجع
اعداد
حسين ال جعفر الحسيني