وهو الشيخ محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي المشهور بـالشيخ الصدوق من أعاظم علماء القرن الرابع الهجري. ولد سنة 305 هـ، وتوفي 381 هـ. ودفن في مدينة الرّي. ترك الصدوق 300 أثر علمي، لكن الكثير من هذه المؤلفات فقدت، ولم يعثر عليها. من أهم مؤلفاته كتاب من لا يحضره الفقيه وهو من الكتب الأربعة المعتمدة لدى الشيعة وأيضا الخصال وعلل الشرائع ومعاني الأخبار وعيون أخبار الرضا. ومن أبرز تلامذته السيد المرتضی والشيخ المفيد.
النسب
أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي المشهور بالشيخ الصدوق، من علماء القرن الرابع الهجري.[1] كان والده علي بن الحسين شيخ القميين وفقيهم وثقتهم وزعيمهم بالرغم من وجود الكثير من العلماء والمحدثين في هذه المدينة. وكان للشيخ الصدوق محل للكسب في السوق يعتاش عليه ويدير شؤون حياته. بزهد ونقاء وقناعة مع ما له من مكانة علمية ومرجعية في قم وغيرها. وقد كتب الشيخ مؤلفات مختلفة ورسائل عديدة في مجالات مختلفة ذكرها الشيخ الطوسي والنجاشي.[بحاجة لمصدر]
وذكر ابن النديم في الفهرست: «قرأت بخط ابنه أبي جعفر محمد بن علي على ظهر جزء: قد أجزت لفلان بن فلان كتب أبي علي بن الحسين وهي مائتا كتاب وكتبي وهي ثمانية عشر كتاباً».[2]
الولادة
لم يعرف بشكل دقيق السنة التي ولد فيها الشيخ الصدوق لكن ما يفهم مما ورد في كتابه كمال الدين وتمام النعمة، وكتاب الغيبة للشيخ الطوسي وكتاب الفهرست للنجاشي أنه ولد بعد وفاة محمّد بن عثمان العمري، ثاني السفراء الأربعة للإمام المهدي (عج) سنة 305هـ وفي أوائل سفارة أبي القاسم حسين بن روح السفير الثالث.
وعن الشيخ الطوسي قال: عن أبي جعفر محمد بن علي الاسود عنه قال: سألني علي بن الحسين بن موسى بن بابويه بعد موت محمد بن عثمان العمري أن أسأل أباالقاسم الروحي أن يسأل مولانا صاحب الزمان (ع) أن يدعوا لله عزوجل أن يرزقه ولدا ذكراً.
قال: فسألته فأنهي ذلك، ثم أخبرني بعد ذلك بثلاثة أيام أنه قد دعا لعلي بن الحسين وأنه سيولد له ولد مبارك ينفع (الله) به.[3]
وقد فصل الشيخ الطوسي في القصة حيث قال: حدثني مشايخ أهل قم أن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه كانت تحته بنت عمه محمد بن موسى بن بابويه فلم يرزق منها ولدا. فكتب إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح أن يسأل الحضرة أن يدعو الله أن يرزقه أولاداً فقهاء فجاء الجواب. إنك لا ترزق من هذه وستملك جارية ديلمية وترزق منها ولدين فقيهين.[4]
واستناداً لما ذكر يتضح أن ولادة الشيخ الصدوق كانت بعد سنة 305 هـ وبعد دعاء الإمام المهدي (عج). ولهذا نجده وأخاه حسين يفخران بهذا الأمر[5]
حياته
نشأ الشيخ الصدوق في مدينة قم وعاش 20 سنة مع أبيه وتتلمذ على يده وعلى يد علماء آخرين ثم رحل إلى الري التي دعاه اهلها فذاع صيته وهو في عنفوان شبابه. مكث في هذه المدينة ثم انتقل إلى مدينة مشهد قاصداً زيارة الإمام الرضا (ع) بعد أن استأذن حاكم مدينة الري الذي كان يعرف بركن الدولة ولما عاد من هذه المدينة مرّ بنيسابور فسكنها، فالتفّ حوله كبار شخصياتها. وقد جال الشيخ الصدوق منذ أن ترك قم في الكثير من المدن، هي: الري، وأستراباد، وجرجان ونيسابور ومشهد ومرو وسرخس وايلاق وسمرقند وفرغانه وبلخ (من مدن ماوراء النهر، وهمدان، وبغداد، والكوفة، وفيد ومكة والمدينة.[6]
الوفاة
توفي الشيخ الصدوق سنة 381 هـ وقد تجاوز عمره السبعين، ودفن في مدينة الري قرب مرقد السيد عبد العظيم الحسني (ع) وقد تحول مثواه إلى مزار يقصده الزائرون.
وقد جدد بناء قبره في زمن الملك القاجاري فتح علي شاه بعد أن غمره السيل وبان جثمانه بعد قرون على دفنه وبدا للناظر وكأنه دفن تواً بحيث صار عبرة للناظرين.[7]
مكانته العلمية:
وصفه الشيخ الطوسي، بقوله: «محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي يكنى أبا جعفر جليل القدر حفظة بصير بالفقه والأخبار والرجال له مصنفات كثيرة ذكرناها في الفهرست ».[8]
وترجم له النجاشي قائلا: «محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي أبو جعفر نزيل الري شيخنا و فقيهنا ووجه الطائفة بخراسان و كان ورد بغداد سنة خمس و خمسين وثلاثمائة وسمع منه شيوخ الطائفة وهو حدث السن».[9]
سيرته الاخلاقية :
المتتبّع لحياة وسيرة الشّيخ الصَّدوق رحمه الله يلمس في شخصيّته الخصائص التّالية
1ـ الإحساس بالمسؤوليّة: تجسّد ذلك في أكثر من مجال من حياة هذا الإمام الفقيه، الذي كان يُقدّر مواقع المسؤوليّة في جسم الأمّة، فيحاول أن يملأها بوجوده الشريف تارة، وبِقلمه وبَيانه أخرى، وبسجالاته ومناظراته تارة ثالثة
ولعلّ في طليعة تلك المسؤوليّات التي وَضَعت نفسها بين يدي الصدوق رحمه اللّه تَستنهضه لحمل أعبائها، سفرَه إلى الرَّيّ وإقامته فيها برغبة وطَلَب أهلها، الذين رغبوا في حضوره وأقامته، للإفادة من محضره على كثرة مَن في الرَّيّ من المُحدّثين والفقهاء وذَوي الفضل
2 ـ الإخلاص: تجلّى عامل الإخلاص في أعمال الشّيخ الصَّدوق بشكل بارز وملموس من خلال ما سطّره من مؤلّفات. وهذه بعض النّماذج من كلماته التي استهلّ بها كُتُبه تَكشف عن طَرَف من إخلاصه:
قال في خطبة كتاب (الخصال) بعد أن ذكر العلّة من تصنيف الكتاب: «فتقرّبتُ إلى اللّه جلَّ اسمه بتصنيف هذا الكتاب، طالباً لِثوابه، وراغباً في الفوز برحمته، وأرجو أن لا يُخيِّبني فيما أمّلتُه ورجوتُه منه بتطوُّله ومنِّه، إنّه على كلّ شيء قدير»
وقال في كتاب (ثواب الأعمال): «إنّ الذي دعاني إلى تأليف كتابي هذا، ما رُوي عن النبي صلّى الله عليه وآله، أنّه قال: «الدالّ على الخير كَفاعله»، وسمّيته كتاب (ثواب الأعمال)، وأرجو أن لا يحرمني اللّه ثواب ذلك، فما أردتُ من تصنيفه إلّا الرغبة في ثواب اللّه وابتغاء مرضاته سبحانه، ولا أردتُ بما تكلّفته غير ذلك، ولا حَوْل ولا قوّة إلّا باللّه، وهو حسبنا ونِعْمَ الوكيل»
وفي كتاب (التّوحيد) بعد التّنبيه على الدّاعي لتأليف الكتاب، قال: «فتقرّبتُ إلى اللّه تعالى ذكرُه بتصنيف هذا الكتاب في التّوحيد ونَفْي التّشبيه، مستعيناً به ومتوكّلاً عليه، وهو حسبي ونِعْمَ الوكيل»
3- حبّ العلم: كان الشّيخ الصَّدوق دؤوباً في طَلَب العلم منذ صباه وهو يعيش تحت رعاية أبيه، حريصاً على تحصيله وضبطه، منصرفاً عمّا سواه، وقد هيّأه انقطاعه للعلم للحضور عند أكابر العلماء والمُحدِّثين في قُم، ثمّ رشَّحه نبوغه للتّصدِّي لِكرسيِّ الحديث، فسمع منه شيوخ الطّائفة وهو في حداثة سنِّه وباكورة عمره.
ولم يوقفه شَغفه بالعلم للإكتفاء بما في حاضرته العلميّة في قُم، بل جَنَح به لتحمّل وعثاء السَّفر ومكابده الغربة، والإبتعاد عن الأهل والوطن، لا يُثني عزمه بُعد الشّقّة، ولا يفتّ في إرادته أَلَم الغربة، أو شيخوخة السِّن4 ـ التواضع: من السِّمات البارزة في سيرة الشّيخ الصَّدوق تواضعه في طلب العلم، مع ما كان عليه أمرُه من الجلالة والفضل، والمكانة العلميّة الرَّفيعة، إلّا أنّ ذلك لم يكن يصدّه عن الأخذ والإفادة من الآخرين، وهذا ما يتكفّل بإثباته أسفاره التي دامت حتّى أخريات حياته، يُبادل السّماع فيها أرباب الحديث وهو رئيس الإماميّة وصاحب التّصانيف القيّمة الغزيرة، حتّى أنّه لمّا وَرَد سرخس وأيلاق سنة 368، وكان ذلك في أواخر حياته حيث توفِّي 381، سمع فيهما من أبي نصر محمّد بن أحمد السَّرخسي الفقيه، وأبي الحسن محمّد بن عمرو بن عليّ بن عبد اللّه البصري، وأبي نصر محمّد بن الحسن بن إبراهيم الكرخي الكاتب، وأبي محمّد بن بكر بن عليّ بن فضل الحنفي وغيرهم، مع أنّه كان معه مِن كُتُبه في تلك السَّفرة مائتان وخمسة وأربعون كتاباً، نسخها الشّريف أبو عبد اللّه المعروف بـ «نعمة» بأجمعها عند وروده على الشّيخ الصَّدوق بقصبة أيلاقس،
كما نصّ عليه الصّدُوق نفسه في خطبة (مَن لا يحضره الفقيه(9
مشايخه وآساتذته
أخذ علومه من الكثير من المشايخ والحفاظ ممن كانوا يعيشون في مدن مختلفة وقد وصل عددهم إلى 260.[10] ومن مشايخه:
تلامذته ومن روى عنه
بدأ الشيخ الصدوق روايته للحديث في عنفوان شبابه لذلك فالمفترض أن يكون الرواة عنه كثر. لكن ضياع بعض الكتب التاريخية التي أرخت لتلك الفترة من قبيل كتاب تاريخ الري للشيخ منتجب الدين ورجال الشيعة لابن بطريق وشيوخ الشيعة للشيخ علي بن الحكم ساهم في عدم تدوين رواته بنحو كامل.
ولم يبق لدينا اليوم من الأسماء التي روت عنه أكثر من 27 راوياً،[16] هم:
آثاره
ترك الشيخ الصدوق ما يقارب الـ 300 أثر علمي، ذكر الشيخ الطوسي 40 مؤلفاً منها ومن أبرز تلك المؤلفات: كتاب من لا يحضره الفقيه[17] وهو من الكتب الأربعة للشيعة الإمامية، كما أورد النجاشي (المتوفى 450 هـ) 200 كتاب من مؤلفات وتصانيف هذا العالم الجليل والتي دونها في مختلف العلوم الدينية. وهي بأجمعها من المؤلفات القيمة التي انتهل منها المتقدمون من العلماء والمتأخرين من الأعلام، وقد فقد بطبيعة الحال الكثير من مؤلفاته ولم تصل إلينا[18] وبعض مؤلفات الشيخ الصدوق كما أوردها الشيخ النجاشي:[19] هي:
الهوامش
1) الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ص 8.
2) الشيخ الصدوق، من لايحضره الفقيه، ص 9.
3) الشيخ الصدوق، معاني الأخبار، ص 73.
4) الشيخ الصدوق، معاني الأخبار، ص 73.
5) الشيخ الصدوق، معاني الأخبار، ص 74.
6) الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ص 9-8.
7) الشيخ الصدوق، معاني الأخبار، ص 74.
8) الطوسي، رجال الطوسي، باب الميم، برقم 25
9) الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ص 8.
10) الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ص 8.
11) الشيخ الصدوق، معاني الأخبار، ص 40.
12) الشيخ الصدوق، معاني الأخبار، ص 42.
13) الشيخ الصدوق، معاني الأخبار، ص 56.
14) الشيخ الصدوق، معاني الأخبار، ص 62.
15) الشيخ الصدوق، معاني الأخبار، ص 66.
16) الشيخ الصدوق، معاني الأخبار، ص 69-72.
17) الطوسي، الفهرست، ص 238.
18) الشيخ الصدوق، معاني الأخبار، ص 72.
19) النجاشي، رجال النجاشي، ص 389-392.
الشيخ الصدوق ،معاني الاخبارص8
المصادر والمراجع
إعداد
حسين ال جعفر الحسيني