جابر بن عبد الله الانصاري الصحابي المخلص
بسم الله الرحمن الرحيم
من أصحاب النبي محمد (ص) الذين بايعوه في بيعة العقبة الثانية، ومن الحفّاظ ومكثري الحديث. من رواياته حديث اللوح الذي ذكر فيه النبي أسماء أئمة الشيعة.
وهو أوّل من زار قبر الإمام الحسين ، وقد وافق وصوله إلى كربلاء مع مرور أربعين يوماً على مقتل الإمام الحسين ، وكان جابر من المعمرين، حتى أدرك الإمام الباقر ، فأبلغه سلام رسول الله.
نسبه وكنيته
جدّه عَمرو بن حرام بن كعب بن غَنْم الذي ينتهي نسبه إلى خَزْرَج.[1]
وكان أبوه من سابقي الأنصار، وممن اعتنق الإسلام قبل هجرة النبي إلى يثرب، وكان من المبايعين له في بيعة العقبة الثانية، وهو أحد النقباء الإثني عشر الذين اختارهم الرسول؛ لينوبوا عن قبائلهم، ومن المشاركين في معركة بدر والحاضرين في معركة أحد.[2]
يكنى جابر بأبي عبد الله، وقيل: بأبي عبد الرحمن، والأول أصح.[3]
حياته
أوّل واقعة سجلها لنا التاريخ الإسلامي عن حياة جابر هي حضوره مع أبيه في بيعة العقبة الثانية والتي وقعت في السنة الثالثة عشرة للبعثة، وكان أصغر من شهد البيعة من الأوس والخزرج،[4] حيث لم يبلغ عمره أكثر من ست سنين إذا ما قورن بين عمره وتاريخ وفاته.[5]
الحروب التي شارك فيها
بعد أن هاجر النبي الأكرم من مكة إلى المدينة حتى انضم جابر إلى قافلة الشباب الذين كان لهم حضور في الغزواة والسرايا فلم يتخلف إلا في غزوتي بدر وأحد.[6] وقد روى عنه أنّه علل تخلفه عن الغزوتين بقوله: «لم أشهد بدراً؛ لأن أبي كان يخلفني على أخواتي، وكنّ تسعاً».[7]
علماً أن بعض المصادر التاريخية ذكرت أنّه شهد بدراً وكان ينقل لأصحابه الماء.[8]
وقد اختلفت كلمة المؤرخين في عدد الغزوات التي شهدها، وروي عنه أنّه شهد تسع عشرة غزوة من بين سبع وعشرين غزوة.[9] وروي عنه اشتراكه في بعض السرايا أيضاً.[10]
غزوة حمراء الأسد
غزوة حمراء الأسد هي الغزوة التي وقعت بعد معركة أحد مباشرةً وفي السنة الرابعة من الهجرة، وكانت تمثل أوّل تجربة حضور لجابر في الحرب، وقد ذكر المؤرخون أنّ النبي أمر أصحابه وبهم أشدّ القرح – جراحات معركة أحد- بطلب العدو ليسمعوا بذلك ويصيبه التزلزل والهلع، وقال: «لا ينطلقن معي إلا من شهد القتال في معركة أحد»، فاستجاب الصحابة لله ورسوله على الذي بهم من البلاء. وأقبل جابر بن عبد الله إلى رسول الله فقال: «يا رسول الله، إنّ أبي رجعني وقد خرجت معك لأشهد القتال لكي لا أترك نساءنا، فاستشهده الله، فأراد بي البقاء لتركته، ولا أحبّ أن تتوجه وجهاً إلا كنت معك، وقد كرهت أنّ يطلب معك إلا من شهد القتال بأحد، فأذن لي»، فأذن له رسول الله.[11]
وحضر تسع عشرة غزوة إضافة إلى بعض السرايا، كما مرّ.
زواجه
تزوج جابر في 3 هـ وقبل غزوة ذاتُ الرَقاع من ابنة عمته سُهَیْم بنت مسعود بن أوس بن مالك بن سواد بن ظفر وأمها الشموس بنت عمرو بن حرام بن ثعلبة بن حرام من بني سلمة وكانت قد تزوجت قبله فكانت ثيباً، ولما سئل عن سبب اختياره لامرأة ثيب، قال: «إنّي كرهت أن أجيئهن – يعني أخواته- بمثلهن فأردت امرأة تقوم عليهن وتعلمهن».[12]
وقد روى ابن سعد في الطبقات عن جابر بن عبد الله أنّ أباه توفي وعليه دين، فأتى رسول الله فقال: «إن أبي ترك عليه ديناً وليس عندنا إلا ما يخرج نخله فلا يبلغ ما يخرج نخله سنتين ما عليه. فانطلق معه لكيلا يفحش على الغرماء». قال جابر: «فمشى حول بيدر من بيادر التمر، ودعا، ثم جلس عليه، وقال: أين غرماؤه؟ فأوفاهم الذي لهم وبقي مثل الذي أعطاهم».[13]
علاقته بالنبي الأكرم
ذكرت المصادر التاريخية العلاقة القوية بين الرسول وبين جابر بن عبد الله والتي كان ملؤها المحبة والعطف والحنان، وقد أشار جابر إلى ما يدل على حب الرسول له، قائلاً: «عادني رسول الله – في مرضي- فوجدني لا أعقل فدعا بماء فتوضأ ثم رش عليّ منه فأفقت، فقلت: كيف أصنع في مالي يا رسول الله؟ قال: فأنزلت يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُم لِلْذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ».(سورة النساء: 176.)[14]
فترة الخلفاء الثلاثة
لم تتحدث المصادر عن موقف معين لجابر من أبي بكر ولعله ساير المهاجرين والأنصار في بادئ الأمر ثم عدل بعد ذلك إلى صفّ أمير المؤمنين وأهل البيت .[15]
وقد عرف عن جابر اهتمامه في فترة الخلفاء الثلاثة بالجانب العلمي والإرشادي بعيداً عن الأمور السياسية والعسكرية. ولم يشترك إلا في معركة واحدة من معارك الفتح الإسلامي في عصر أبي بكر حيث سار في ركاب خالد بن الوليد لفتح دمشق.[16] ولم يعلم هل واصل المسير مع جيش خالد نحو العراق أم لا؟ وهل سار إلى منطقة أخرى؟
وكان جابر بن عبد الله في زمن خلافة عمر بن الخطاب من العرفاء.[17] والعريف: القيم بأمور جماعة من الناس بأمر من الحاكم، يلي أمورهم ويتعرف منه الحاكم أحوالهم.
ولم تذكر الأخبار عن دور جابر في عصر عثمان بن عفان، إلا ما ذكر من اشتراكه في وفد الواسطة بين المصريين وبين عثمان، فقد روى صاحب الطبقات: «أن المصريين لما أقبلوا من مصر يريدون عثمان ونزلوا بذي خشب دعا عثمان محمد بن مسلمة فقال: اذهب إليهم فأرددهم عني وأعطهم الرضى وأخبرهم أني فاعل بالأمور التي طلبوا ونازع عن كذا بالأمور التي تكلموا فيها. فركب محمد بن مسلمة إليهم إلى ذي خشب. قال جابر وأرسل معه عثمان خمسين راكباً من الأنصار أنا فيهم».[18]
فترة خلافة الإمام علي
ذكر صاحب أعيان الشيعة أن جابر كان من المقاتلين تحت لوائه .[19] وكان من الممتنعين في بادئ الأمر من مبايعة بسر بن أبي أرطاة حينما دخل المدينة، فقد روى الثقفي عمّن سمع جابر بن عبد الله يقول: «بعث معاوية بسر بن أبي أرطاة إلى المدينة ليبايع أهلها على راياتهم وقبائلهم فجاءته بنو سلمة فقال: «أفيهم جابر؟»- قالوا: «لا»، قال: «فليرجعوا فانّي لست مبايعهم حتّى يحضر جابر»، قال: «فأتاني قومي فقالوا: ننشدك الله لمّا انطلقت معنا فبايعت، فحقنت دمك ودماء قومك فان لم تفعل ذلك قتلت مقاتلينا وسبيت ذرّيّتنا»، قال: «فاستنظرتهم اللّيل فأتيت أمّ سلمة زوجة النّبيّ فأخبرتها الخبر، فقالت: «يا بنيّ انطلق فبايع [احقن دمك ودماء قومك فانّي قد أمرت ابن أخي أن يذهب فيبايع] وإنّي لأعلم أنّها بيعة ضلالة..»[20]
حادثة نقل منبر النبي
في سنة خمسين للهجرة قرر معاوية نقل منبر النبي من المدينة وأن يُحمل إلى الشام، وقال: «لا يترك هو وعصا النبي بالمدينة، وحرّك المنبر فكسفت الشمس حتى رأيت النجوم باديةً، فأعظم الناس ذلك فتركه». وقيل: «بل أتاه جابر وأبو هريرة فقالا له: يا أمير المؤمنين، لا يصلح أن يخرج منبر النبي من موضع وضعه وتنقل عصاه إلى الشام؛ فتركه معاوية».[21]
رحلاته وأسفاره
سافر جابر سنة 50 للهـجرة إلى مصر فروى عنه جماعة من المصريين.[22] وكان الوالي عليها مَسلَمة بن مُخَلَّد الأنصاري من قبيلة جابر، ومن هنا روى ابن مَنْدَة أن جابراً سافر مع مَسلَمة بن مُخَلَّد إلى الشام ومصر.[23] وفي رواية أخرى أنه سافر إلى الشام ليروي حديثاً في باب القصاص عن عبد اللّه بن اُنَیْس،[24] إلا أن المصادر لم تذكر تاريخ تلك الرحلة.
وروي أيضاً أنّه قدم إلى معاوية من دمشق، فلم يأذن له أياماً، فلما أذن له قال: «يا معاوية، أما سمعت رسول الله يقول: من حجب ذا فاقة وحاجة حجبه الله يوم القيامة، يوم فاقته وحاجته»، فغضب معاوية، وخرج جابر فاستوى على راحلته ومضى، فوجّه إليه معاوية بستمائة دينار، فردها على معاوية.[25] ولعل السبب في موقف معاوية من جابر يعود إلى منهج الأمويين في التقليل من شأن أهل المدينة وازدرائهم بسبب قتلهم لعثمان بن عفان.
العصر الأموي
لما كان جابر بن عبد الله قد أدرك النبي الأكرم، وعرف الحلال والحرام والقرآن والسنة من هنا كان يؤلمه ما يطرق مسامعه من البدع التي ابتدعها الأمويون والانحرافات التي كانوا يروجون لها؛ لذلك تراه يتمنى أن يكون قد صم ولم يسمع بها.[26]
ولقد بلغت وقاحة الحجاج وصلافته أنّه سار في سنة أربع وسبعين إلى المدينة، وأخذ يتعنت على أهلها، ويستخف ببقايا من فيها من صحابة رسول الله، وختم في أعناقهم وأيديهم – كالعبيد- ومنهم جابر بن عبد الله.[27] الذي أعرض عن الحجاج فيما بعد،[28] وأوصى أن لا يصلي عليه.[29]
ولكن تذكر بعض المصادر بأن الحجاج لم يتعرض لجابر بسبب كبر سنه.[30]
وفاته
في السنة الأخيرة من عمره قرر جابر المجاورة بمكة، فلقيه هناك الكثير من كبار التابعين كعطاء بن أبي رباح وعمرو بن دينار، وكان قد كفّ بصره.[31] وذكر المِزّي [32] مجموعة من الروايات في تحديد تاريخ وفاته حيث قال: مات سنة 68 هـ؛ وقال أبو سليمان مات سنة 72 هـ؛ وقال محمد بن سعد: مات سنة 73 هـ؛ وقال محمد بن يحيى: مات سنة 77 هـ. ويقال مات وهو ابن أربع وتسعين وصلى عليه أبان بن عثمان.[33]
أبناؤه
ذكر المؤرخون له من الأولاد عبد الرحمن ومحمد [34] ومحمود وعبد الله[35] وعقيل[36] وقد توزعت ذريته - حسب الوثائق التاريخية- على أفريقية[37] وبخارى.[38] ومنهم من قطن إيران، ومن أشهرهم الفقيه والأصولي المشهور الشيخ مرتضى الأنصاري.[39]
شخصيته الروائية
يعدّ جابر بن عبد الله من الصحابة المكثرين في نقل الحديث النبوي، الحافظين للسنن.[40] وقد اعتمد عليه المحدثون والمؤرخون، واستند علماء المذاهب إلى رواياته كثيراً، وكان الرجل مفتياً وصاحب رأي.[41] ومن هنا وصفه الذهبي[42] بالمجتهد والفقيه.
ولم يقتصر جابر على النقل عن النبي الأكرم، بل روى عن الصحابة، وعن التابعين؛ فروى عن علي بن أبي طالب وعن طلحة بن عبيد الله وعمار بن ياسر ومعاذ بن جبل وأبي سعيد الخدري من الصحابة.[43]
كما أنه كان مولعاً بكسب العلم والحديث إلى حد أنّه كان يشد الرحال في طلبه، فروي عن عبد الله بن محمد بن عقيل أن جابراً حدثه قال: «بلغني عن رجل من أصحاب الرسول حديث سمعه منه لم أسمعه منه، فشددت رحلي، وسرت إليه شهراً حتى آتيت الشام».[44]
وقد لازمه شوقه للحديث حتى الأيام الأخيرة من عمره حيث جاور في مكة لطلب الحديث هناك.[45] وعرف عن جابر نقده وخبرته بالحديث وأمانته في النقل وعدم التأثر بالنزعات القبيلة، فقد روى أبو عوانة عن الأعمش عن أبي سفيان، عن جابر بن عبد الله قال: «سمعت رسول الله، يقول: اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ». فقيل لجابر: «إنّ البراء – وهو من قبيل الخزرج- يقول: اهتز السرير، فقال جابر: كان بين هذين الحيين: الأوس – قوم معاذ- والخزرج – قوم البراء- ضغائن، سمعت رسول الله يقول: اهتز عرش الرحمن».
وكان جابر أيضاً من الخزرج، حمله دينه على قول الحق والإنكار على من كتمه.[46] وهناك رواية نقلها السيد الخوئي في ترجمته لسعد بن معاذ عن الإمام الصادق كذب فيه خبر اهتزاز العرش.[47]
وقد نقل كل من الإمامين الصادق والكاظم بعض الأحاديث النبوية التي رواها الإمام الباقر عن جابر بن عبد الله الأنصاري.[48]
وقد وقع جابر بن عبد الله الأنصاري في سلسلة سند بعض الأحاديث الشيعية المشهورة كحديث الغدير.[49] وحديث الثقلين[50] وحديث أنا مدينة العلم وعلي بابها،[51] وحديث المنزلة[52] وحديث رد الشمس[53] وحديث سد الأبواب.[54]
كذلك روى الحديث النبوي الذي يتعرض لذكر أسماء الأئمة .[55] وخصائص الإمام المهدي.[56]
ومن الأحاديث الشيعية المهمة التي رواها جابر بن عبد الله عن النبي حديث اللوح الذي ورد في أسماء الأئمة الاثني عشر وخلفاء النبي.[57]
حلقة درسه
كانت لجابر بن عبد الله حلقة درس في المسجد النبوي يملي فيها حديث رسول الله على جماعة من التابعين، فيكتبون حديثه، ويتعلمون منه.[58] وقد أخذ الحديث عن جابر جمع من الرواة والمحدثين أشهرهم: سعید بن المُسیِّب، وحسن بن محمد بن الحنفیة، وعطاء بن أبي رباح، ومجاهد بن جَبر، وعمرو بن دینار المكي، وعامر بن شراحیل الشعبي، والحسن البصري.[59]
مفتي المدينة
لم يصنفه ابن سعد في الطبقات الكبرى في طبقة الصحابة المفتين ولا في طبقة أهل العلم والفتوى، إلا أن الذهبي[60] وصفه بمفتي المدينة، وقد جمع موسى بن علي بن محمد الأمير فتاوى جابر الفقيه ونشرها تحت عنوان جابر بن عبد الله وفقهه.[61]
تفسير القرآن
روي عن جابر الكثير من الروايات التفسيرية التي استند إليها المفسرون كثيراً.[62] وقد لوحظ أن آراء جابر التفسيرية قريبة من التفاسير الشيعية للآيات الكريمة.[63]
في مصادر الإمامية
يعد علماء الرجال الشيعة جابر بن عبد الله من الشخصيات المحترمة، وأدرجوه في سلسلة أصحاب الأئمة من الإمام أمير المؤمنين إلى الباقر ؛[64]
والجدير بالذكر أن جابراً توفي في زمن الإمام السجاد، وإنما أدرك طفولة الإمام الباقر ؛ ومن هنا لا يمكن إدراجه ضمن أصحاب الإمام الباقر .[65] وجاء في بعض المصادر الرجالية أنّه غني عن التوثيق لشهرة ما ورد في مدحه والثناء عليه.[66] وجابر وإن لم يكن من أنصار علي إبّان حادث السقيفة إلا أنّه التحق بركبه بعد فترة قصيرة، فكان من خلّص أنصار أهل البيت .[67] وعده البرقي [68] في أصحاب الرسول الأكرم ومن الأصفياء من أصحاب أمير المؤمنين ، ومن شرطة خميسة.[69]
الحث على حب الإمام علي(ع)
كان جابر يرى أن علياً هو الميزان الذي يعرف به المنافقون، فقد روي عنه أنه قال: «ما كنا نعرف المنافقين إلا ببغضهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه».[70] وكان يسير في أزقة المدينة مخاطباً الأنصار أن أدبوا أبناءكم على حبّ علي بن أبي طالب ، وأن من لم ير علياً أفضل البشر لم يشكر الله تعالى.[71] وقد استلهم العالم الشيعي جعفر بن محمد القمي من حديث جابر المعروف بـ علي خير البشر، فألف كتابه نوادر الأثر في علي خير البشر نقل ثلث رواياته عن جابر بن عبد الله.[72]
جابر وواقعة عاشوراء
عندما حدثت واقعة الطف سنة 61 للهجرة كان جابر يسكن المدينة ومن يهمهم أمر الإمام الحسين ، وعليه إن الإمام الحسين حينما احتج على جيش عبيد الله بن زياد، قال لهم: «سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري».[73] وهو أوّل من زار قبر الحسين ، وصادف وصوله إلى كربلاء الأربعين من شهادة الإمام الحسين .[74] وكان من القلة التي تمسكت بإمامة الإمام السجاد في الأيام الأولى لإمامته وقد تعرض بسبب ذلك لبعض المضايقات.
اللقاء مع الإمام الباقر(ع)
ذكرت كتب التاريخ والحديث قصة لقاء جابر بن عبد الله بالإمام الباقر .[75] وكان رسول الله قد قال له: «يوشك أن تبقى حتى تلقى ولداً لي من الحسين يقال له محمد يبقر علم الدين بقرا، فإذا لقيته فأقرءه مني السلام».[76] فكان جابر يترقب ذلك، وكان ينادي في مسجد المدينة يا باقر العلم إلى أن التقى به الإمام الباقر ، فضمه جابر إليه، وقال: «يا محمد! محمد رسول الله يقرأ عليك السلام». فقالوا لجابر: كيف ذلك يا أبا عبد الله؟ فذكر لهم الخبر.[77]
آثاره العلمية
جمعت أحاديث تحت عنوان مسند جابر عن طريق أهل السنة فبلغت 540 حديثاً اتفق البخاري ومسلم على ثمانية وخسمين حديثاً منها،[78] وكذلك روى عنه أحمد بن حنبل في مسنده،[79] وتوجد النسخة الخطية لمسند جابر بن عبد الله برواية أبي عبد الرحمان عبد الله بن أحمد بن حنبل في خزانة الرباط في المغرب.[80] ويحتمل أنها رواية جابر في مسند أحمد.
وقد جمع حسين الواثقي روايات جابر من مصادر الحديث الشيعية، وأدرجها في كتاب تحت عنوان جابر بن عبد الله الأنصاري حياته ومسنده.
ومن أهم ما روي عن جابر صحيفة سُليمان اليشْكُريِّ التي رواها عن جابر، وبسبب موت سليمان مبكراً أخذ بعض الرواة عن الصحيفة مباشرة من دون القراءة على سليمان أو السماع منه.[81] وتوجد نسخة من الصحيفة في مجموعة الشهيد علي باشا في المكتبة السليمانية في إسطنبول.[82]
حديث اللوح الاخضر
روى أبو بصير عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أنه قال: «قال أبي محمّد بن علي لجابر بن عبد الله الأنصاري: إنّ لي إليك حاجة، متى يخفّ عليك أن أخلو بك فأسألك عنها؟ فقال له جابر: في أيّ الأحوال أحببت، فخلا به أبي في بعض الأوقات وقال له: يا جابر! أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد أمّي فاطمة (عليها السلام)، وما أخبرتك به أمّي أنّه في ذلك اللّوح مكتوب.
فقال جابر: أشهد بالله أنّي دخلت على أمّك فاطمة (صلوات الله عليها) في حياة رسول الله (ص) فهنّيتها بولادة الحسين (عليه السلام) فرأيت في يديها لوحاً أخضر، فظننت أنّه من زمرّد، ورأيت فيه كتاباً أبيض شبه نور الشّمس، فقلت لها: بأبي أنتِ وأمّي يا بنت رسول الله، ما هذا اللّوح في يدك؟
فقالت: (يا جابر) هذا اللوح أهداه الله تعالى الى رسول الله (ص)، فيه اسم أبي واسم بعلي واسم إبنيَّ وأسماء الأوصياء من ولدي، فأعطانيه أبي ليسرّني بذلك. قال جابر: فأعطتنيه أمّك (عليها السلام) فقرأته واستنسخته.
قال له أبي (ع): فهل لك يا جابر أن تعرضه عليَّ؟ فقال: نعم، فمشى معه أبي (ع) حتّى انتهى الى منزل جابر، وأخرج أبي صحيفة من رقّ وقال: يا جابر انظر في كتابك لأقرأ عليك، فنظر جابر في نسخته وقرأه أبي، فما خالف حرف حرفاً. قال جابر: فأشهد بالله أنّي هكذا رأيت في اللّوح مكتوباً:
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتاب من الله العزيز الحكيم لمحمّد نبيّه ورسوله ونوره وسفيره وحجابه ودليله، نزل به الروح الأمين من عند رب العالمين.
عظّم يا محمّد أسمائي، واشكر نعمائي، ولاتجحد آلائي، فإنّي أنا الله لااله إلاّ أنا قاصم الجبّارين ومذلّ الظالمين وديّان يوم الدين، لااله إلاّ أنا، من رجا غير فضلي، أو خاف غير عدلي، عذّبته عذاباً لا أعذّبه أحداً من العالمين، فإيّاي فاعبد، وعليَّ فتوكّل.
ثم انّي لم أبعث نبيّاً فأكملت أيّامه وانقضت مدّته إلاّ جعلت له وصيّاً، وإنّي فضّلتك على الأنبياء، وفضّلت وصيّتك على الأوصياء، وأكرمتك بشبليك بعده وسبطيك: الحسن والحسين، فجعلت حسناً معدن علمي بعد انقضاء مدّة أبيه، وجعلت حسيناً خازن علمي، وأكرمته بالشهادة، وختمت له بالسعادة، وهو أفضل من استشهد، وأرفع الشهداء درجة، وجعلت كلمتي التامّة معه، وحجّتي البالغة عنده، بعترته أثيب وأعاقب:
أوّلهم عليّ سيد العابدين وزين أوليائي الماضين، وابنه شبيه جدّه المحمود، محمّد الباقر لعلمي والمعدن لحكمتي، سيهلك المرتابون في جعفر الصادق، الرادّ عليه كالرادّ عليَّ، حقّ القول منّي لأكرمنّ مثوى جعفر، ولأسرّنه في أشياعه وأنصاره وأوليائه، وانتجبت بعده موسى، وأتيح بعده فتنة عمياء حندس ألا إنّ خيط فرضي لاينقطع، وحجّتي لاتخفى، وإنّ اوليائي لايشقون.
ألا ومن جحد واحداً منهم فقد جحد نعمتي، ومن غيّر آية من كتابي فقد افترى عليَّ، وويل للمفترين الجاحدين عند انقضاء مدّة عبدي موسى وحبيبي وخيرتي
ألا وإنّ المكذّب بالثّامن، مكذّب بكلّ أوليائي، عليّ وليّي وناصري ومن أضع عليه أعباء النبوّة، وأمنحه بالاضطلاع بها، يقتله عفريت مستكبر، يدفن بالمدينة الّتي بناها العبد الصالح : ( ذو القرنين) الى جنب شرّ خلقي، حقّ القول منّي لأقرّنّ عينه بمحمّد ابنه وخليفته من بعده، ووارث علمه، فهو معدن علمي، وموضع سرّي، وحجّتي على خلقي، جعلت الجنّة مثواه وشفّعته في سبعين من أهل بيته كلّهم قد استوجب النار، وأختم بالسعادة لابنه عليّ وليّي وناصري، والشّاهد في خلقي، وأميني على وحيي، أخرج منه الدّاعي الى سبيلي، والخازن لعلمي الحسن العسكري ـ (ع) ـ، ثم أكمل ديني بابنه محمّد رحمة للعالمين، عليه كمال موسى وبهاء عيسى وصبر أيّوب، سيّد أوليائي، سيذلّ أوليائي في زمانه، وتتهادى رؤوسهم كما تتهادى رؤوس التُرك والديلم، فيقتلون ويحرقون ويكونون خائفين مرعوبين وجلين، تصبغ الأرض بدمائهم، ويفشو الويل والرنة في نسائهم، اولئك أوليائي حقّاً، بهم أدفع كلّ فتنة عمياء حندس، وبهم أكشف الزلازل وأرفع الآصار والأغلال، اولئك عليهم صلوات من ربّهم ورحمة واولئك هم المهتدون(83).
الهوامش
1) ابن سعد، الطبقات، ج 3، قسم 2، ص 104-105؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، ج 11، ص 208.
2) البلاذري، أنساب الأشراف، ج 1، ص 286؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، ج 11، ص 208-211؛ ابن حَبّان، مشاهير علماء الأمصار، ص 30 والذي تحدث عن وجود عبد الله وولده جابر ضمن من بايعوا الرسول (ص) في بيعة العقبة الأولى.
3) ابن عبد البرّ، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 1، ص 220؛ ابن الأثير، أسد الغابة، ج 1، ص 377.
4) الطبري، تاريخ الطبري، ج 5، ص 239.
5)ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، ج 11، ص 213-214.
6) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، ج 11، ص 213-214.
7 )ابن حنبل، المسند، ج 3، ص 495.
8) المسعودي، مروج الذهب، ج 3، ص 318-319.
9) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، ج 11، ص 235؛ الذهبي،
10) سير أعلام النبلاء، ج 3، ص 193.
11) البلاذري، أنساب الأشراف،ن ج 1، ص 288؛ الطبري، تاريخ الطبري، ج 6، ص 195.
12) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، ج 11، ص 234.
13) العسقلاني، الإصابة في تمييز الصحابة، ج 1، ص 435.
14) الطوسي، اختيار معرفة الرجال، ص 123-124.
15)الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج 3، ص 191-192.
16) المزّي، تهذيب الكمال في أسماء الرجال، ج 4، ص 453-545.
17) الدينوري، المعارف، ص 307.
18 )الدينوري، المعارف: ص307.
19)ابن حزم، جمهرة أنساب العرب: ص359.
20)المزّي، تهذيب الكمال في أسماء الرجال: ج4، ص446.
21 )ابن حزم، جمهرة أنساب العرب: ص359.
22)ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج10، ص545.
23) القمي، تحفة الأحباب في نوادر آثار الأصحاب: ص40؛
24)الواثقي، حياته ومسنده: ص31-34.
25 )ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج 2، قسم 2، ص 127؛
26)ابن عبد البرّ، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 1، ص 220.
27) ابن قيم الجوزية، إعلام الموقعين عن رب العالمين، ج 1، ص 12؛ وقد عدّه من جملة الصحابة الذين نقل عنهم عدد متوسط من الفتاوى.
28) الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج 3، ص 189.
29 )ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، ج 11، ص 208-209؛
30)المزّي، تهذيب الكمال في أسماء الرجال، ج 4، ص 444.
31) البغدادي، الرّحلة في طلب الحديث: ص 109-118؛
32) ابن عبد البرّ، جامع بيان العلم وفضله، ص 151-152.
33 )الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج 3، ص 191.
34 )ابن الأثير، أسد الغابة، ج 1، ص 378.
35) الخوئي، معجم رجال الحديث، ج 8، ص 91.
36 )ابن الأشعث الكوفي، الأشعثيات (الجعفريات): ص 22-44-47؛
37)الكليني، الكافي، ج 1، ص 532؛ ج 2، ص 373؛ ج 3، ص 233-234؛ ج 5، ص 528-529؛ ج 8، ص 144-168-169؛
38)الصدوق، عيون أخبار الرضا، ج 1، ص 47؛ ج 2، ص 74.
39) الأميني، الغدير في الكتاب والسنة والأدب، ج 1، ص 57-60.
40) القمي، عباس، بصائر الدرجات في فضائل آل محمد «ص»، ص 414.
41)ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، ج 2، ص 34.
42)الصدوق، معاني الأخبار، ص 74.
43)المفيد، الإرشاد: ج1، ص345-346.
44 )ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، ج 2، ص 189-190.
45) الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ج 1، ص 258-259؛
46)ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب: ج1، ص282.
47 )الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ج 1، ص 253-286-288.
48) الكليني، الكافي، ج 1، ص 527-528؛
49 )الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ج 1، ص 308-313.
50) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، ج 11، ص 233؛
51)البغدادي، تقييد العلم: ص104؛
52)العسقلاني، الإصابة في تمييز الصحابة، ج 1، ص 435.
53 )المزّي، تهذيب الكمال في أسماء الرجال، ج 4، ص 444-448؛
54) الواثقي، حياته ومسنده، ص 108-118.
55 )الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج 3، ص 190.
56) الصنعاني، تفسير القرآن، ج 1، ص 89-129-131، ج 2، ص 211، 231-232؛ القرطبي،
57) الجامع لأحكام القرآن، ج 2، ص 112-302، ج 4، ص 155-166.
58)الطَبْرِسي، ذيل سورة الأحزاب: 33؛ النساء: 24.؟؟؟
59)البرقي، كتاب الرجال، ص 3-7-9؛ الطوسي، رجال الطوسي، ص
60 )الخوئي، معجم رجال الحديث، ج 4، ص 16؛
61)الثقفي، الغارات، ج 2، ص 519-521.
62)الحائري، منتهى المقال في أحوال الرجال، ج 2، ص 212؛
63) الخوئي، معجم رجال الحديث، ج 4، ص 12-15.
64)الطوسي، اختيار معرفة الرجال، ص 38.
65) الطوسي، اختيار معرفة الرجال، ص 5.
66)البرقي، كتاب الرجال، ص 4.
67)الطوسي، اختيار معرفة الرجال، ص 40-41؛
68) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، ج 42، ص 284.
69)ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، ج 42، ص 44.
70)الثقفي، الغارات، ج 2، ص 525.
71)المفيد، الإرشاد، ج 2، ص 97؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج 4،
72) الطوسي، مصباح المتهجد، ص 787؛
73)الطبري، بشارة المصطفى لشيعة المرتضى، ص 74-75.
74)ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج 5، ص 164.
75) الكليني، الكافي، ج 1، ص 304-450-469؛ المفيد، الإرشاد، ج 2،
76) الطوسي، اختيار معرفة الرجال، ص 41-42؛ الكليني، الكافي، ج 1، ص 469-470؛ ابن 77)عساكر، تاريخ مدينة دمشق، ج 54، ص 275-276.
78 )الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج 3، ص 194.
79) أحمد بن حنبل، مسنده، ج 3، ص 292-400.
80) الزركلي، الأعلام، ج 2، ص 104.
81) البغدادي، الكفاية في علم الرواية، ص 392؛
82)سزكين، تاريخ التراث العربي، ج 1، ص 85؛ مترجم من العربية، ج 1، ص 154-155.؟؟؟
خلف، استدراكات على تاريخ التراث العربي، ص 32.
83) الصدوق (ره) في كمال الدين: ص 308، الباب 28، الحديث1
المصادر والمراجع
إعداد
حسين ال جعفر الحسيني