بسم الله الرحمن الرحيم
الشيخ المفيد
اسمه ونسبه وبلده:محمد بن محمد ابن النعمان الكعبري الملقب بالشيخ المفيد ويكنى ابا عبدالله ولد في اعمال قرية كعبرا شمال جلولاء في العراق سنة 338هجرية (1
صفاته
كان ربعة نحيفاً اسمر كثير الصدقات عظيم الخشوع كثير الصلاة والصوم حسن اللباس كثير التقشف والتخشع والاكباب على طلب العلم وكان لا ينام من الليل إلا هجعة ثم يقوم يصلي أو يطالع أو يتلو القرآن.)2
نشأته وسيرته العلمية.
أن الشيخ المفيد ترعرع في كنف والده الذي لم نعرف من أخباره سوى كونه معلماً بواسط ولذلك كان يكنى ولده بابن المعلم وما أن تجاوز المفيد سني الطفولة وأتقن مبادئ القراءة والكتابة حتى انحدر به أبوه وهو صبي إلى بغداد حاضرة العلم ومهوى أفئدة المتعلمين فسارع إلى حضور مجلس درس الشيخ أبي عبد الله الحسين بن علي المعروف بالجعل بمنزله بدرب رباح ثم قرأ على أبي ياسر غلام أبي الجيش بباب خراسان وفي أثناء قراءته على أبي ياسر اقترح عليه أستاذه هذا أن يكثر التردد على مجلس المتكلم الشهيد علي بن عيسى الرماني المعتزلي ففعل. (3
يقول المفيد في زيارته الأولى للرماني: دخلت عليه والمجلس غاص بأهله وقعدت حيث انتهى بي المجلس فلما خف الناس قربت منه فدخل عليه داخل وطال الحديث بينهما فقال الرجل لعلي بن عيسى ما تقول في يوم الغدير والغار، فقال أما خبر الغار فدراية وأما خبر الغدير فرواية والدراية لا توجب ما توجبه الرواية وانصرف فقلت أيها الشيخ مسألة فقال هات مسألتك فقلت ما تقول في من قاتل الإمام العادل قال يكون كافراً ثم استدرك فقال فاسق فقلت ما تقول في أمير المؤمنين علي أبي طالب (ع) قال: إمام فقلت ما تقول في يوم الجمل وطلحة والزبير فقال تابا فقلت أما خبر الجمل فدراية وأما خبر التوبة فرواية فقال كنت حاضراً وقد سألني البصري فقلت نعم، رواية برواية ودراية بدراية فقال بمن تعرف فقلت اعرف بابن المعلم واقرأ على الشيخ أبي عبد الله الجعل فقال موضعك ودخل منزله وخرج ومعه ورقة قد كتبها والصقها فقال لي أوصل هذه الرقعة إلى أبي عبد الله فجئت بها إليه فقرأها ولم يزل يضحك بينه وبين نفسه ثم قال: ايش جرى لك في مجلسه فقد وصاني بك ولقّبك المفيد فذكرت المجلس بقصته. وهكذا بدأ هذا الصبي الطموح بتسلق سُلّم العلم والمعرفة ويزاحم بركبتيه الصغيرتين محافل العلماء وعمالقة العقول في عصره ليصبح رمزاً من رموز العلماء الذين تميزوا ببصماتهم العلمية على التراث الإسلامي(4
اساتذته
تتلمذ الشيخ المفيد على يد كثير من علماء بغداد، من أمثال أبي عبد الله الحسين بن علي البصري، ومظفر الخراساني البلخي، وحضر درس علي بن عيسى الرمّاني المعتزلي. وقد درس الفقه علی يد جعفر بن محمد بن قولويه. كما كان من مشايخه فقهاء آخرين امثال ابن حمزة الطبري وابن الجنيد الاسكافي وابن داوود القمي والصفواني والشيخ الصدوق.(5
زعامته للشيعة
القرن الرابع الهجري باجماع الباحثين والمؤرخين هو قرن انبعاث الحضارة الإسلامية وحضارة العلم والكتاب والمدرسة، وكان ذلك بتشجيع الحكام. حيث لم يبح الحكام العلم لفريق ويمنعوه عن فريق بل أباحوه وسهلوا سبله لكل فريق ولو خالفهم هذا الفريق. وكانت بغداد عاصمة المملكة الإسلامية حينذاك فكانت مملوءة بكثير من المذاهب. وقد كان الشيخ المفيد المؤسس الأول لمدرسة أهل البيت عليهم السلام، ولم يكن لاتباع اهل البيت قبله مدرسة بهذا المحتوی. نشأت مدرسته نشأتها الأولی ببغداد. وكان هو الزعيم الديني والعلمي الأول الذي استطاع أن يتصدى لرئاسة الشيعة ويستقطب جمهورها، ويلتف حوله أكابر علماء الطائفة.(6 كانت حياته العلمية في أغلب الأحيان في ترويج مذهبه والدفاع والجدال مع المخالفين علی اختلاف فرقهم. حيث كان يحضر مجالس النظر والبحث والجدال في المذاهب، وكان يناظرهم ويجادلهم ويرد عليهم شبهاتهم.(7
الشيخ المفيد والدولة البويهية
لقد عاش الشيخ المفيد ابان قيام الدولة البويهية بعد انكماش الدولة العباسية وحاول أن يعمل بكل ما يمتلك من قوة في كسب الاطراف السياسية بجانبه لصالح المذهب الاثنى عشري وعندما تولى بنو بويه شؤون السلطة في بغداد حظي هذا الشيخ بسبب تشيع بني بويه بما لم يحظ به غيره من امثاله من ضروب التكريم والتقدير والاجلال العظيم في الدولة البويهية فكانت له صولة عظيمة بسبب عضد الدولة كما كانت له وجاهة عند ملوك الاطراف لميل كثير من أهل ذلك الزمان إلى التشيع وبلغ من احترام عضد الدولة له انه (كان يزوره في داره ويعوده اذا مرض وعلى الرغم من كل هذه الوجاهة والجلالة فقد اضطرت السلطات الحاكمة - قمعاً للفتن الطائفية والاضطرابات المذهبية إلى نفيه مرتين إلى خارج بغداد حيث بعث بهاء الدولة عميد الجيوش أبا علي بن أستاذ هرمز إلى العراق ليدبر امره فوصل إلى بغداد فزينت له وقمع المفسدين ومنع السنة والشيعة من إظهار مذاهبهم ونفى بعد ذلك ابن المعلم فقيه الإمامية فاستقام البلد ونفي الشيخ المفيد من قبل الدولة في سنة 398هـ عندما جرت في عاشر شهر فتنة بين الكرخ والفقهاء بقطيعة الربيع وكان السبب أن بعض أهل البصرة قصد أبا عبد الله محمد بن محمد بن النعمان المعروف بابن المعلم وكان فقيه الامامية في مسجده بدرب رباح وتعرض به تعرّض امتعض منه أصحابه فثاروا واستنفروا أهل الكرخ ونشأت من ذلك فتنة عظيمة وبلغ ذلك الخليفة فانفذ الخول الذين على بابه لمعاونة أهل السنة فبلغ الخبر إلى عميد الجيوش فسار ودخل بغداد فراسل أبا عبد الله ابن المعلم فقيه الشيعة بان يخرج عن البلد ولا يساكنه ووكل به فخرج في ليلة الأحد لسبع بقين من رمضان فسأل علي بن مزيد في ابن المعلم فُرّد.(8
وكان الشيخ المفيد ذا مكانة مرموقة بين العلماء وذا دور بارز في المجامع العلمية وكانت شخصيته وشهرته وصلت إلى المخالف والمؤالف بحيث قلما تجد من لم يذكره من المؤرخين والمترجمين وساق لفيف من المؤرخين خلال الترجمة كلمات الاطراء وجمل الثناء بما لا مزيد عليه وانساق لفيف آخر منهم من وحي عواطفهم فاندفعت اقلامهم نحو الطعن والشتم والتشهير(9)
تلامذته
تتلمذ على يديه الكثير من العلماء من أشهرهم الشريف الرضي والشريف المرتضى وشيخ الطائفة أبوجعفر محمد بن الحسن الطوسي وأبو الفتح الكراجكي وأبويعلي محمد بن الحسن بن الحمزة الجعفري وجعفر بن محمد الدوريسي وأحمد بن علي النجاشي وغيرهم.
قالوا في الشيخ المفيد
قال عنه أبو حيان التوحيدي في كتابه الإمتاع والمؤانسة: "كان ابن المعلّم حسنَ اللسان والجدل، صبوراً على الخصم، ضنين السر، جميل العلانيّة".
وقال عنه ابن كثير: "توفي في سنة ثلاث عشرة وأربعمائة، عالم الشيعة، صاحب التصانيف الكثيرة، المعروف بالمفيد، وبابن المعلِّم أيضاً، البارع في الكلام والجدل والفقه، وكان يناظر كل عقيدة بالجلالة والعظمة في الدولة البويهية، وكان كثير الصدقات، عظيم الخشوع، كثير الصلاة والصوم، خشن اللباس، وكان عضد الدولة ربّما قد زار الشيخ المفيد، وكان شيخاً نحيفاً، عاش ستاً وسبعين سنة، وله أكثر من مائتي مصنّف، وكان يوم وفاته مشهودا وشيعه ثمانون ألفا من الرافضة والمعتزلة".[10
وقال عنه الذهبي: "كان ذا جلالة عظيمة وكان خاشعاًً متعبّداً متألّهاً ".[11
أما الشيخ الطوسي، فقد قال فيه: "محمد بن محمد بن النعمان، المفيد، يكنَّى أباعبدالله، المعروف بابن المعلِّم من جملة متكلمي الإمامية، انتهت إليه رئاسة الإمامية في وقته، وكان مقدَّماً في العلم وصناعة الكلام، وكان فقيهاً متقدِّماً فيه، حسن الخاطر، دقيق الفطنة، حاضر الجواب، وله قريب من مائتي مصنّف، كبار وصغار"(12
مؤلفاته : كانت مؤلفاته رحمه الله كثيرة تقدر ب (200)رسالة نذكر اشهرها:
الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ،ايمان ابي طالب، ، تصحيح اعتقاد الإمامية، الفصول العشرة في الغيبة، النكت الاعتقادية، النكت في مقدمات الأصول، المسائل العكبرية، الكافئة في إبطال توبة الخاطئة، تفضيل أمير المؤمنين، رسائل في الغيبة، شرح المنام، المسائل الجارودية، أقسام المولى في اللسان ،رسالة في معنى المولى، عدم سهو النبي صلى الله عليه وآله، رسالة حول خبر مارية القبطية، مسألتان في النص على علي، مسار الشيعة ،أبناء الشيعة الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة ،الأمالي المسائل الصاغانية ،المسائل الطوسية، العويص في الأحكام، مسألة في المسح على الرجلين ،المقنعة ،رسالة في المهر(13
رسالة الامام الحجة عجل الله فرجه الى الشيخ المفيد
وردت رسالة على الشيخ المفيد(قدس سره) من قبل الإمام المهدي(ع) تعتبر الرسالة الأولى، وذلك في شهر صفر ، سنة عشر وأربعمائة.
نص الرسالة:
للأخ السديد، والولي الرشيد، الشيخ المفيد أبي عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان أدام الله إعزازه، من مستودع العهد المأخوذ على العباد.
بسم الله الرحمن الرحيم. أمّا بعد، سلام الله عليك أيّها الوليّ المخلص في الدين المخصوص فينا باليقين، فإنّا نحمد إليك الله الذي ﻻ إله إلاّ هو، ونسأله الصلاة على سيّدنا ومولانا ونبيّنا محمّد وآله الطاهرين.
ونعلمك – أدام الله توفيقك لنصرة الحق، وأجزل مثوبتك على نطقك عنّا بالصدق- أنّه قد أذن لنا في تشريفك بالمكاتبة وتكليفك ما تؤدّيه عنّا إلى موالينا قبلك أعزّهم الله بطاعته وكفاهم المهمّ برعايته لهم وحراسته.
فقف – أمدّك الله بعونه على أعدائه المارقين من دينه – على ما تذكره، واعمل في تأديته إلى من تسكن إليه، بما نرسمه إن شاء الله. نحن وإن كنّا ناوين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين – حسب الذي أراناه الله تعالى من الصلاح، ولشيعتنا المؤمنين في ذلك مادامت دولة الدنيا للفاسقين – فإنّا نحيط علماً بأنبائكم. ولا يعزب عنّا شيء من أخباركم ومعرفتنا بالذلّ الذي أصابكم مذ جنح كثير منكم إلى ما كان السلف الصالح عنه شاسعاً، ونبذوا العهد المأخوذ (منه) وراء ظهورهم كأنّهم ﻻ يعلمون إنّا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء واصطلمكم الأعداء، فاتقوا الله جلّ جلاله، وظاهرونا على انتياشكم من فتنة قد أنافت عليكم، يهلك فيها من حمّ أجله، ويحمى عنها من أدرك أمله، وهي إمارة لأزوف حركتنا و(مبانيتكم) بأمرنا ونهينا، والله متم نوره ولو كره الكافرون.
اعتصموا بالتقية؛ مَن شبّ نار الجاهلية يحشّشها عصب أموية يهول بها فرقة مهدية.
أنا زعيم بنجاة من لم يرم فيها المواطن الخفيّة، وسلك في الظعن منها السبل المرضية.
إذا حلّ جمادى الأولى من سنتكم هذه، فاعتبروا بما يحدث فيها، واستيقظوا من رقدتكم لما يكون في الذي يليها، ستظهر لكم من السماء آية جليّة، ومن الأرض مثلها بالسويّة، ويحدث في أرض المشرق ما يحزن ويقلق، ويغلب من بعد على العراق، طوائف عن الإسلام مراق تضيق بسوء فعالهم على أهله الأرزاق، ثم تنفرج الغمة من بعد ببوار طاغوت من الأشرار، ثم يسرّ بهلاكه المتقون الأخيار ويتفق لمريدي الحج من الآفاق، ما يؤملونه منه على توفير غلبه (عليه) منهم وإنفاق، ولنا في تيسير حجهم على الاختيار منهم والوفاق، شأن يظهر على نظام واتساق فليعمل كل امرئ منكم بما يقرّب به من محبتنا، ويتجنّب ما يدنيه من كراهتنا وسخطنا، فإن أمرنا بغتة فجأة حين ﻻ ينفعه توبة، ولا ينجّيه من عقابنا ندم على حوبة والله يلهمكم الرشد، ويلطف لكم في التوفيق برحمته(14
وفاته
توفي الشيخ المفيد ليلة الثالث من شهر رمضان ببغداد سنة 413 هـ، وصلى عليه الشريف المرتضى بميدان الأشنان. دفن في داره سنتين ثم نقل الی مقابر قريش بالقرب من ضريحي الإمامين موسى الكاظم ومحمد الجواد عليهما السلام وإلى جانب قبر شيخه ابن قولويه القمي. وقبره اليوم واضح معلوم يُزار.( 15
مراثيه :_
وفي ابيات من الشعر وجدت مكتوبة على قبر الشيخ المفيد رحمه الله تعالى الذي كان له صلة بالامام المهدي ( عج ) بالمكاتبة ارجو ان نكون من انصاره واعوانه والمستشهدين بين يديه (16
لا صوّت الناعي بفقـــــدك.. انه يـوم علـى آل الرسول عظيم
ان كنت قد غيبت في جدث الثرى.. فالعدل والتوحيد فيك مقيم والقائم المهدي يفـــرح ..كلما تليت عليك من الدروس علوم
المصادر
1) عقائد الشيعة الإمامية/ عقائد الشيخ المفيد/ حياة الشيخ المفيد نسخة محفوظة 07 ديسمبر 2016 2 رجال النجاشي ، ص 399
2) المصدر السابق عقائد الشيعة الامامية ص399
3) مؤسسة دائرة المعارف فقه اسلامی، فقه اهل بیت علیهم السلام - عربی، الجزء : 31 صفحة : 293-285
4)المقالة الأولی: أطلالة علی حیاة الشیخ المفید، مجلة المقالات والرسالات، الرقم:22.
5) المصدر السابق الرقم :22
6) الشیخ المفید؛ حیاته ومکانته العلمیة ومشایخه وتلامیذه ووفاته (1)، المقالات والرسالات، الرقم: 108.
7 ) الشيخ جعفر السبحاني، مفاهيم القرآن (العدل والإمامة)ِ، الجزء : 10 صفحة : 397
8) اعيان الشيعة السيد حسن الأمين، ، حياة الشيخ المفيد ص23
9) خضير جعفر، الشيخ الطوسي مفسراً، الجزء : 1 صفحة : 27
10) الطبرسي، الاحتجاج، الجزء : 2 صفحة : 318
11) الخزرجی، صفاء الدین، من فقهائنا: الشیخ المفید، السنة الثامنة، سنة 1424 - العدد 32.
12) ضامن بن شدقم الحسيني المدني، تحفة الأزهار و زلال الأنهار في نسب أبناء الأئمة الأطهار ، الجزء : 2 صفحة : 237
13) المصدر السابق اعيان الشيعة السيد حسن الامين ،حياة الشيخ المفيد صفحة238
14) الاحتجاج للشيخ الطبرسي 2/ 318.
15) مجالس المؤمنين الشيخ القاضي الشوشتري ص 206
16)المصدر السابق ص 207
تم الفراغ من البحث يوم الخميس بتأريخ 16/4/2020الموافق 21شعبان 1441هـ
إعداد
حسين الحسيني
تدقيق
السيد عباس اللاوندي