الأربعاء ٠٤ كانون الأول ٢٠٢٤

إضاءات من حياة الإمام جعفر الصادق عليه السلام


تاريخ الاضافة:-2019-12-23 13:39:28 | عدد الزيارات: 1545

اسمه ونسبه عليه السلام لا يجد المسلم صعوبة في التعرف على نسب هذا الإمام العظيم عليه السلام غير اننا أوردناه هنا من باب ان النظر إلى اسمه وأسماء أبائه عبادة وفيه من البركة لا بأس بذكر الدليل على ذلك ما لا يحصى ذكره فهو الإمام جعفر بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الإمام السبط الشهيد الحسين ابن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليهم جميعا من الله السلام. وأمه أم فروة وقيل فاطمة وقيل ان أم فروة كنيتها وهي عليها السلام ابنة القاسم بن محمد بن أبي بكر احد حواريي الإمام علي عليه السلام، قال في حقها الإمام الصادق عليه السلام: «كانت أمي ممن آمنت واتقت وأحسنت والله يحب المحسنين» وقد عدت عليها السلام من الرواة عن الإمام الباقر والصادق عليهم السلام. أشهر كناه وألقابه أشهر كناه عليه السلام أبو عبد الله وفيه عرف عليه السلام في كتب الحديث والرواية، ومن كناه أيضا: أبو إسماعيل باسم ولده الذي توفي في حياته عليه السلام. وألقابه عليه السلام: الفاضل والطاهر والكافل والصابر، وأشهرها الصادق سماه به النبي الأعظم صل الله عليه واله وسلم قبل ولادته بمائة عام تقريبا. الملامح العامة لعصر الإمام الصادق عليه السلام عاش الإمام الصادق عليه السلام مرحلة مهمة من تاريخ الإسلام والتي تزامنت مع سقوط الدولة الأموية الظالمة وقيام دولة بني العباس أو ان شئت فقل ان حياته عليه السلام كانت ما بين شيخوخة الدولة الأموية وطفولة الدولة العباسية، عاصر عليه السلام قبل إمامته من بني أمية عبد الملك بن مروان الذي توفي في سجونه وسجون عماله من شدة التعذيب خمسون ألف رجل وثلاثون ألف امرأة، كما عاصر عليه السلام الوليد بن عبد الملك بن مروان، وسليمان بن عبد الملك بن مروان وقد احرق هذا الأخير جماعة كبيرة من المجذومين المرضى وقال: «لو كان في هؤلاء خير ما ابتلاهم الله بهذا البلاء»، وعاصر عمر بن عبد العزيز بن مروان، ويزيد بن عبد الملك، وهشام بن عبد الملك الملقب بالأحول، والوليد بن يزيد وهو قاتل زيد بن علي عليه السلام، وعاصر عليه السلام يزيد بن الوليد الملقب بالناقص، وإبراهيم بن الوليد الذي حكم سبعين يوما ، وعاصر مروان بن محمد المعروف بمروان الحمار الذي انهارت الدولة الأموية المشؤومة في حكمه والتي ذاق فيها الأئمة عليهم السلام وشيعتهم بل حتى سائر الناس وعوامهم أنواع الرزايا والبلايا والمحن. وبعد هذه الحقبة المظلمة قامت الدولة العباسية رافعة شعار إعادة الحق إلى أهل البيت عليهم السلام فتجمع حولها أناس لا فهم لهم في سياسة الحكام، أما أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم فلم ينخدعوا بهذا الشعار لعلمهم بأن بني العباس لا يطلبون الملك إلاّ لأنفسهم، وفعلا ما أن استوت لهم الأمور جعلوا الخلافة ملكا يتوارثه الأبناء عن الآباء، وقد عاصر الإمام من هؤلاء الطغاة أبا جعفر المنصور الذي انشغل بقتل الأمويين وتتبعهم تحت كل طارق حتى طالت مطاردته قبور الأمويين، فقد نبش قبر معاوية لينكل به فلم يجد شيئا سوى خيطاً من رماد ونبش كذلك قبر يزيد بن معاوية فلم يجد فيه سوى حطاما كأنه رماد. وعاصرعليه السلام المنصور الدوانيقي أخا السفاح الذي كانت سياسته إفقار الشعب لئلا تقوم لأحد قائمة. الإمام الصادق عليه السلام يستغل الظروف للدعوة إلى الله كانت الفترة التي حكم فيها أبو العباس السفاح أول ملوك بني العباس فترة تصفية الحسابات مع بني أمية، فانشغل بذلك عن ملاحقة أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم فسنحت الفرصة للإمام الصادق عليه السلام في نشر العلوم التي منعها الأمويون وكتَّم عليها الظالمون... وقصد آلاف الطلبة المدينة المنورة ليحضروا دروس الإمام الصادقعليه السلام ، فانتشر علم آل محمد صل الله عليه واله وسلم في الآفاق وكانت حلقات هذه الدروس متنوعة كالفقه و الأحكام الشرعية وعلم الكلام وعلم التفسير وعلوم الحديث مع مناقشة الأدلة، وكعلم الكلام ومناقشة بعض المسائل الاعتقادية و معالجة الشبهات الدخيلة، كما اشتملت الدروس على العلوم الأخرى كعلم الطب و الكيمياء وغيرها. فاستطاع الإمام الصادق عليه السلام ان يصنع علماءً ومثقفين لا يشق لهم غبار في مختلف العلوم، واستطاع خلال هذه الفترة المختصرة من الحرّية أن ينشر من العلوم ما ملأ الخافقين إلى يومنا. وسائل السلطة لإبعاد الناس عن الإمام عليه السلام لما أكمل العباسيون تصفية حساباتهم مع الأمويين وقبضوا على كرسي الملك بقبضة من حديد أفاقوا على حقيقة أذهلتهم وسلبت منهم الراحة وهي أنهم وجدوا أنفسهم بعد كل ما فعلوه مع الأمويين أمام حركة فكرية وإيمانية اكبر واخطر بكثير من جيش الأمويين وعصاباتهم المتبقية هنا وهناك واستشعروا ان الإمام الصادق عليه السلام وخلال هذه الفترة القصيرة التي ترك فيها من غير ضغط ولا رقابة قد اكتسح قلوب وعقول الجماهير، وهذا ما لم يمكن السكوت عنه من قبلهم فعمدوا إلى اخذ عدد من التدابير التي كانوا يتصورون بأنها ستؤدي إلى وقف المد الجعفري وتحجيمه، منها: أولا:وضع الإمام عليه السلام تحت الإقامة الجبرية قد عانى الإمام عليه السلام من هذا الإجراء اشد المعاناة لأنه عليه السلام يعلم المغزى الحقيقي منه ألا وهو حرمان الأمة والقاعدة الموالية من فيوضات علمه، فطالما ضاق صدر الإمام عليه السلام من شدة العزلة التي فرضتها السلطة عليه فبدأ ببث شكواه واحتجاجه على ما حصل له عن طريق الدعاء والتضرع إلى الله سبحانه، فلذا يقول احد أصحابه سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : «أشكو إلى الله وحدتي وتقلقلي من أهل المدينة حتى تُقْدِموا عليَّ وأراكم وأُسرَّ بكم ، فليت هذا الطاغية أذن لي فاتخذت قصرا فسكنته وأسكنتكم معي واضمن له أن لا يجيء من ناحيتنا مكروه أبدا». ثانيا:تقريبهم لفقهاء الخط المناوئ لخط أهل البيت عليهم السلام بعد ان حجر الطغاة على جميع تحركات الإمام الصادق عليه السلام كان لابد لهم من صرف الناس عن الإمام الصادق عليه السلام من خلال طرح البديل الذي يرى رأي السلطة ويدعم وجودها وتصرفاتها مع توفير الدعم الكامل والحماية له وحرية نشر كل ما يمكن أن يعارض أفكار الإمام الصادق عليه السلام التوعوية فلذا قربوا أبا حنيفة ووضعوا له كرامات ومناقب ورووا على لسان النبي انه قال : «يكون في أمتي رجل يقال له أبو حنيفة هو سراج أمتي»، و«سيكون رجل يقال له النعمان ويكنى بابي حنيفة يحيي دين الله وسنتي»، وممن قرب أيضا مالك بن انس الذي «أمره المنصور أن يضع كتابا يحمل الناس عليه ويوزع في الأمصار ووصله بأموال باهظة حتى صارت الناس تزدحم على بابه كما تزدحم على أبواب الملوك» وأمره المنصور قائلا له: «لا يقلدن عليا وابن عباس». وبهذه الطريقة أحدث بنو العباس مذاهباً مغايرة ومناقضة لمذهب الإمام الصادق حملوا الناس على إتباعها حتى صارت بمرور الأيام أمرا مسلما به لا يقبل النقاش ولا الجدال. مطاردة أتباعه عليه السلام بتهمة الزندقة تشابه الدول الجائرة في أساليبها رغم الفاصل الزمني بينها لان منبعها واحد وأساسها واحد، ففي كل عصر يلفقوا حكام الجور تهماً لمن لا يرغبون بوجوده بين الأحياء، فلهذا ابتدعت الحكومة العباسية تهمة الزندقة للتخلص من معارضيها وبالخصوص أتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام، فصارت تهمة الزندقة تسير جنبا إلى جنب مع الانتساب إلى مذهب أهل البيت عليهم السلام. درر من وصاياه ومواعظه ومن وصية له عليه السلامإلى بعض أصحابه: «إذا أراد أحدكم أن لا يسأل ربه شيئاً إلا أعطاه، فلييأس من الناس كلهم، ولا يكون له رجاء إلا من عند الله عز ذكره، فإذا علم الله عز وجل ذلك من قلبه لم يسأله شيئاً إلا أعطاه. فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا عليها، فإن للقيامة خمسين موقفاً، كل موقف مقداره ألف سنة، ثم تلا في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون». جاء إليه رجل فقال له: بأبي أنت وأمي عظني موعظة: فقال عليه السلام: «إنّ كان الله تبارك وتعالى قد تكفّل بالرزق فاهتمامك لماذا، وإن كان الرزق مقسوماً فالحرص لماذا، وإن كان الحساب حقاً فالجمع لماذا، وإن كان الخلف من الله عز وجل حقاً فالبخل لماذا، وإن كانت العقوبة من الله عز وجل النار فالمعصية لماذا، وإن كان الموت حقاً فالفرح لماذا، وإن كان العرض على الله عز وجل حقاً فالمكر لماذا، وإن كان الشيطان عدواً فالغفلة لماذا، وإن كان الممر على الصراط حقاً فالعجب لماذا، وإن كان كل شيء بقضاء وقدر فالحزن لماذا، وإن كانت الدنيا فانية فالطمأنينة إليها لماذا». عن خثيمة قال: قال لي جعفر عليه السلام: «أبلغ شيعتنا أنه لن ينال ما عند الله إلا بعمل، وأبلغ شيعتنا أنّ أعظم الناس حسرة يوم القيامة من وصف عدلاً ثم يخالفه إلى غيره». وقال عليه السلام: من صدق لسانه زكا عمله، ومن حسنت نيته زاد الله عز وجل في رزقه، ومن حسن بره بأهله زاد الله في عمره. وقال عليه السلام: «إنّ عيال الرجل أسراؤه، فمن أنعم الله عليه فليوسع على أسرائه، فإن لم يفعل يوشك أن تزول تلك النعمة عنه». وقال عليه السلام: «ثلاثة من كن فيه فهو منافق وإن صام وصلى: من إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أأتمن خان». وقال عليه السلام: «إذا فشت أربعة ظهرت أربعة: إذا ظهر الزنا ظهرت الزلازل، وإذا أمسكت الزكاة هلكت الماشية، وإذا جار الحاكم في القضاء أمسك القطر من السماء، وإذا خفرت الذمة نصر المشركون على المسلمين». الإمام الصادق عليه السلام إلى الرفيق الأعلى لقد عرف أبو جعفر العباسي ان أفضل طريقة للخلاص من الإمام الصادقعليه السلام هي دس السم إليه عبر الوكلاء، اقتداءً بمعاوية بن أبي سفيان الذي سم الإمام الحسن عليه السلام على يد زوجته جعيدة، فبأمر من الحاكم العباسي قام محمد بن سليمان والي المدينة بدس السمّ للإمام الصادق في الخامس والعشرين من شوال عام 148 هـ فمضى أبو عبدا للهعليه السلام ضحية المجرمين والظالمين، وقد دفن في مقبرة البقيع مقربة جده المصطفى صل الله عليه واله وسلم بعد تشييع مهيب لجثمانه المبارك. وهكذا أفل نجم من نجوم آل محمد صل الله عليه واله وسلم وأسدل الستار على نور من أنوار هم الباهرة ليقوم مقامه نجم آخر ونور ثاني.