الثلاثاء ٠٣ كانون الأول ٢٠٢٤

الإمام الحسين (عليه السلام) في الشعر المصري


تاريخ الاضافة:-2019-12-23 13:39:28 | عدد الزيارات: 1560

ارتبط أهل هذه الأرض بمحبة أهل البيت (عليه السلام) ومودتهم منذ أن دخل إليهم الإسلام وارتفعت راية التوحيد على أرضهم وصدحت حناجر التكبير في أرجائها، وشهدت الوقائع التاريخية وخاصة في صدر الإسلام على مدى تغلغل العقيدة الإسلامية ومودة أهل البيت(عليه السلام) في نفوس المصريين، ويدلنا قول أمير المؤمنين(عليه السلام) في كتابه الذي بعثه إليهم حين ولّى عليهم (مالك الأشتر) فخاطبهم قائلاً: [من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى القوم الذين غضبوا لله حين عُصي في أرضه وذُهب بحقه...] /نهج البلاغة (جـ3 خطبة38). كما وصفها (عليه السلام) بأنها أعظم أجناده في نفسه كما في كتابه إلى (محمد بن أبي بكر) حين قلّده إياها فجاء في الخطبة 27 في نفس الجزء من نهج البلاغة قوله (عليه السلام) : [واعلم يا محمد بن أبي بكر اني قد وليتك أعظم أجنادي في نفسي أهل مصر...]. وبلغت ذروة العلاقة بين أهل مصر وأهل البيت(عليه السلام) في عهد الفاطميين الذين بنوا (الجامع الأزهر) والذي أصبح في عهدهم أعظم جامعة إسلامية عاشت مصر بحياة علمية زاخرة وحققت الكثير من الإنجازات في الميادين العلمية والفكرية والأدبية كما عُني الفاطميون بالمناسبات الدينية ومنها التي تخص أهل البيت (عليه السلام) وخاصة يوم عاشوراء. يقول أبو الفداء (إسماعيل بن كثير) في تاريخه يصف يوم عاشوراء في أيام الفاطميين: (وفي يوم عاشوراء من سنة ست وتسعين وثلاثمائة جرى الأمر فيه على ما يجري كل سنة من تعطيل الأسواق وخروج المنشدين إلى جامع القاهرة ونزولهم مجتمعين بالنوح والنشيد). وقال القريزي في خططه: (كانوا – أي الفاطميين – ينحرون في يوم عاشوراء عند القبر الإبل والغنم والبقر ويكثرون النوح والبكاء ولم يزالوا على ذلك حتى آخر دولتهم). ورغم إن السياسات التي تلت دولة الفاطميين قد حاولت أن تقطع هذه العلاقة الصميمة والحب لأهل البيت(عليه السلام) من نفوس الشعب إلا أن هذا الحب والولاء الخالص كان أكبر من كل الأساليب التي مورست لمحوه ونجد آثار هذا الحب نابضاً في الشعر المصري الذي عبّر عن انصهار الشعراء المصريين في قضية أهل البيت(عليه السلام) ووقوفهم إلى جانبها وخاصة قضية الإمام الحسين (عليه السلام) ووقفته الخالدة فعبروا عن تفجعهم لما جرى على آل الرسول في كربلاء. وأقدم ما استطعنا العثور عليه من المصادر والمراجع من الشعر المصري في رثاء سيد الشهداء (عليه السلام) هو للشاعر أبي محمد بن طلحة بن عبيد الله بن محمد بن أبي العون الغساني المعروف بـ(العوني المصري) المتوفى سنة350هـ بمصر، وقد رووا عنه أن (له في الأئمة المعصومين أكثر من عشرة آلاف بيت). وقد جمع العلاّمة الباحث الشيخ (محمد السماوي) من شعره ما يربو على ثلاثمائة وخمسين بيتاً ورتّبها في ديوان ،ومن مراثيه في الإمام الحسين (عليه السلام) فيا بضعة من فؤاد النبي بالطف أضحت كثيباً مهيلا ويا كبداً من فؤاد البتول بالطف شلّت فأصبحت اكيلا قُتلت فأبكيت عين الرسول وأبكيت من رحمة جبرئيلا وعبقت النفحات الولائية من بيت الخلافة الفاطمية ،فهذا شاعر من البيت الفاطمي يصدح برثاء الحسين(عليه السلام) وهو الأمير أبو علي تميم بن الخليفة العز لدين الله معد بن إسماعيل الفاطمي المتوفى سنة374هـ بمصر فيقول: وكم بأعالي كربلاء من حفائر بها جثت الأبرار ليس تعاد بها من بني الزهراء كل سميدعٍ وجوه بها كان النجاح يُفادُ وهذا شاعر وصفه السيد الأمين في أعيان الشيعة بشاعر آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو شاعرٌ مجيد اشتهر بقصيدته الكافية في مدح أهل البيت (عليه السلام) وهو الشاعر (ابن جبر المصري) المتوفى سنة 487 هـ يقول في هذه القصيدة عندما يصل إلى رثاء الحسين(عليه السلام): وأبكي قتيلاً بالطفوف لأجله بكت السماء دماً فحق بكاكِ إن تبكهم في اليوم تلقاهم غداً عيني بوجه مسفرٍ ضحّاكِ يا رب فاجعل حبهم لي جنة من موبقات الظلم والإشراكِ كما غمر الولاء الحسيني الوزارة الفاطمية، فهذا الشاعر الوزير الملقب ب(الملك الصالح ،وفارس المسلمين) طلابع بن رزّيك المتوفى سنة556هـ بمصر يسخّر شعره وشاعريته في سبيل قضية أهل البيت ونهضة الحسين(عليه السلام) المباركة يقول في إحدى مراثيه أيا نفس من بعد الحسين وقتله على الطف هل أرضى بطول حياتي وإني لأخزي ظالميه بلعنةٍ عليهم لدى الآصال والغدوات وهذا شاعر من مقدمي شعراء مصر وكتّابهم وأوحد عصره في مصره نظماً ونثراً وترسّلاً وشعراً كما يصفه المؤرخون وهو القاضي الجليس أبو المعالي عبد العزيز بن الحسين بن الحباب الأغلي السعدي التميمي يزخر شعره بحب أهل البيت (عليه السلام) ومدحهم ويبكي لما جرى عليهم من الظلم لا سيما في واقعة كربلاء فيقول في إحدى مراثيه: إيما فوق الأرض فيض دم الحسين ولا تمورُ؟ أترى الجبال درت ولم تقذفهم منها صخورُ؟ أم كيف إذ منعوه ورد الماء لم تغر البحورُ؟ ويحضر شاعر إلى مأتم فينشد من قصيدة : أفكربلاءٌ بالعراق وكربلاء بمصر أخرى فيضج المأتم بالبكاء والعويل وهذا الموقف يعطي دلالة واضحة على ما يشكل يوم عاشوراء من أسى وحزن لدى الشعب المصري، وهذا الشاعر هو القاضي الرشيد أبو الحسين أحمد بن علي بن الزبير الغساني الأسواني المصري المتوفى سنة562هـ بمصر. وهذا شاعر مشهور آخر هو القاضي السعيد هبة الله بن جعفر بن المعتمد سناء الملك محمد السعدي المعروف بـ(ابن سناء الملك) المتوفى سنة 608هـ يقول في إحدى مراثيه في الإمام الحسين (عليه السلام): قُتل الحسين بكل حزبٍ لبغاة وكل طعنِ شنّوا عليه وماسقوه قطرة من ماء شنِّ أنت الولي له تصرح بالولاء ولست تكني ولأنت أولى من يباكر قاتليه بكل لعنِ ورزء الحسين(عليه السلام) رزء ثقيل على الشاعر جمال الدين أبو الحسين يحيى بن عبد العظيم المعروف بـ(الجزار المصري)المتوفى سنة 672هـ بمصر حيث يقول في إحدى مراثيه: ويعود عاشوراء يذكّرني رزء الحسين فليت لم يعدِ يا ليت عيناً فيه قد كحلت بمسرةٍ لم تخل من رمدِ ويداً به لشماتةٍ خضبت مقطوعة من زندها بيدي ولم تخل همزية البوصيري أبو عبد الله محمد بن سعيد الصنهاجي البوصيري المتوفى سنة 694هـ من ذكر كربلاء والمصاب الأليم الذي حلّ بآل الرسول فيخاطب النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في (بردته)المشهورة بقوله: من شهيدين ليس ينسيني الطف مصابيهما ولا كربلاءُ مارعى فيهما ذمامك مرؤوس وقد خان عهدك الرؤساء فأبكهم ما استطعت إن قليلاً في عظيم من المصاب البكاء كل يوم وكل أرض لكربي فيهم كربلاء وعاشوراءُ وهذا الشاعر علي بن أبي بكر بن علي نور الدين بن الجمال المصري المتوفى سنة1072هـ يذكر يوم عاشوراء بالنوح والحزن والبكاء فيقول: وذكرني بالنوح والحزن والبكا غريب بأكناف الطفوف فريدُ عطاشى على شاطي الفرات فمالهم سبيل إلى قرب المياه ورودُ لقد صبروا لا ضيّع الله صبرهم إلى أن فنوا من حوله وأبيدوا ويفرد الشيخ عبد الله بن محمد الشبراوي المصري شيخ الأزهر المتوفى سنة 1171هـ في كتابه(الإتحاف بحب الأشراف) فصلاً خاصاً في مشهد رأس الحسين(عليه السلام) بمصر ويذكر الكرامات التي جرت له فينظمها قصائد في مدح الإمام الحسين(عليه السلام): لك في الحشر ياحسين مقام ولا عداك فيه خزيٌ وطردُ يا كريم الدارين يا من له الدهر على الرغم من يعاند عبدُ أنت سيف على عداك ولكن فيك حلمٌ وما لفضلك حدُ ويقول في قصيدة أخرى: يا سبط طه يا حسين على ضريحك المأنوس مني السلامُ مشهدك السامي غدا كعبة لنا طواف حوله واستلامُ بيت جديد حلّ فيه الهدى فصار كالبيت العتيق الحرامُ كما كان للشعر المصري المعاصر دوره في إذكاء واقعة الطف في الضمير الإنساني ، فهي مآتم لا تنتهي كما يقول الشاعر (مرسي شاكر طنطاوي): في كربلاء مآتم لا تنتهي حتى يداهمنا الحمام صؤولاً ويقول العلامة الشيخ عبد الله العلايلي في مقصورته: فيا كربلا كهف الإباء مجسما ويا كربلاء كهف البطولة والعلا ويا كربلا قد حزت نفساً نبيلة وصيّرت بعد اليو رمزاً إلى السما ويا كربلاء قد صرت قبلة كل ذي نفس تصاغر دون مبدئها الدنا ويا كربلا قد حرزت مجداً مؤثلاً وحزت فخاراً ينقضي دونه المدى كما صاغ عبد الرحمن الشرقاوي مسرحيتيه(الحسين ثائراً) و(الحسين شهيداً) بلغة شعرية مفعمة بالروح الإنسانية عكست الروح الكبيرة التي جسدها الإمام الحسين والمبادىء العليا التي سعى من أجلها في نهضته المباركة فيقول: (أنا ذا أخوض المستحيل إلى جلاء حقيقتك فأضيء طريقي من أشعة حكمتك... أنا ذا شهيد الحق ضعت لكي أصون من الضياع شريعتك لا تخف عن وجهي وضاءة نظرتك). ويلجأ جمال الغيطاني إلى مسجد الحسين بالقاهرة لكي يستلهم المعاني العظيمة التي جسّدها الإمام الحسين فيقول: (وليت قبلة إمامي الحسين وفاض أساي فخاطبته بوجهتي وليس بنطقي– يا نبع الصفاء، يا شرق المودة، تعذبني قلة حيلتي وصعوبة الطريق يا إمامي لم يعد حالي جئتك ملوعاً بالفقد). يقول صاحب الثغر المنكوث بعصا الظالمين (كل شيء بقدر) ويقول أمل دنقل: كنت في كربلاء قال لي الشيخ: إن الحسين مات من أجل جرعة ماء وتساءلت كيف السيوف استباحت بني الأكرمين؟ فأجاب الذي بصرته السماء إنه الذاهب المتلألىء في كل عين: إن تكن كلمات الحسين وسيوف الحسين سقطت دون أن تنقذ الحق من ذهب الامراء أفتقدر أن تنقذ الحق ثرثرة الشعراء. هذا ما استطعنا تسليط الضوء عليه من شعر الشعراء الذين كتبوا في الحسين، ومن المؤكد أن هناك أسماء أخرى كثيرة فملحمة كربلاء فضاء لا ينتهي ومنبر لا ينضب كلّما نهلت منه الأجيال ازداد تدفقاً. بقلم/ محمد الصفار