الأحد ٢٤ تشرين الثاني ٢٠٢٤

الخطبة الثانية لصلاة الجمعة بإمامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في 8/جمادي الاول1439هـ الموافق 26 /1 /2018م :


تاريخ الاضافة:-2019-12-23 13:39:29 | عدد الزيارات: 1428

يها الاخوة والاخوات.. بيّنا في الخطبة السابقة ان الاسلام حرص على اقامة الروابط والعلاقات الاجتماعية المتماسكة بين المؤمنين المنتمين اليه لكي يحفظ هذا الحرص الشديد من الاسلام على اقامة علاقات اجتماعية متماسكة.. من اجل ان يحفظ للمجتمع تماسكه وقوته حتى يستطيع ان يواجه المشاكل الداخلية والخارجية والتحديات والمصاعب التي يمر بها الفرد والمجتمع.. وفي نفس الوقت يعطي القدرة للفرد والمجتمع ان ينهضا بأعبار التنمية والتطور والاستقرار والازدهار، في نفس الوقت حذّر من المخاطر الكبيرة في الدنيا والاخرة من التحديات والخروقات وعدم الالتزام بالمنظومة الاجتماعية منظومة التعايش الاجتماعي.. نحن بيّنا منظومة التعايش الاجتماعي والثقافي بين مكوّن له دين مع مكوّن له دين آخر وبين مكوّن له انتماء قومي معين مع مكون له انتماء قومي آخر وبين مكوّن له انتماء مذهبي مع مكون له انتماء مذهبي آخر.. هناك مخاطر تؤدي الى ضعف التماسك الاجتماعي بحيث لا الفرد ولا المجتمع يستطيعا ان يواجها المشاكل والمصاعب الداخلية والخارجية ولا يستطيع الفرد او المجتمع ان ينهضا بأعباء المهام من التطور والازدهار والاستقرار وغير ذلك.. وذكرنا من جملة الامور المهمة التي تهدد العلاقات الاجتماعية مسألة التعصب والنظرة الفوقية والاستعلاء على الاخرين.. الآن نذكر أيضاً من جملة الامور التي تهدد سلامة الاجتماعية وهو (استخدام اسلوب العنف في التعامل مع الاخرين): الانسان عادة قد يواجه اختلافات ونزاعات ومشاكل اجتماعية سياسية اقتصادية ثقافية وقد يواجه مشاكل في داخل الاسرة اوالمدرسة اوالوظيفة اوالمجتمع.. قد ايضاً تحصل احتكاكات مع الافراد في المجتمع أو قد يواجه اختلاف مع الاخرين في المواقف والآراء وقد احياناً يحصل تجاوز من الاخرين عليه.. كيف يتعامل مع هذه الامور واحياناً قد يكون هناك اختلاف شديد و اختلاف في مفصل مهم من مفاصل الحياة كيف يتعامل مع هذا الاختلاف؟ ما هو الاسلوب الاسلامي الذي لو تعامل به الانسان مع الاخرين في مختلف هذه القضايا أمكنه ان يحافظ على قوة العلاقة والارتباط مع مع الاخرين ولو نهجَ اسلوباً آخر ادّى ذلك ان تتوتر العلاقة ويحصل التصادم ويحصل نتائج غير المحمودة.. في الغالب اخواني نلاحظ ان الانسان يلجأ الى الاسلوب العنيف تارة بالكلام وتارة بأسلوب الخطاب وتارة بالتصرّف.. الانسان على قسمين: احياناً هناك انسان قادر على ضبط انفعالاته وعواطفه ومواقفه اتجاه هذا النزاع والمشكلة، ولكن احياناً هناك انسان يلجأ الى الاسلوب العنيف حتى في الكلام وفي مواجهة هذه المشكلة او التجاوز والاساءة من الاخرين يرد عليها بأسلوب عنيف بعيد عن ضبط المشاعر والاعصاب.. والاسلام حذّر من استخدام هذا الاسلوب لأنه يؤدي الى تعقيد المشكلة والى صعوبة الحل وربما يواجه بأسلوب مماثل من العنف فيؤدي ذلك الى المشكلة تتعقد اكثر والنزاع يتصاعد.. والتفتوا الى انه قد تكون المشكلة بسيطة ولكن اسلوب العنف الذي يستخدم يحوّل القضية الى شيء معقّد ويصعب حلّه.. ولاحظوا ان الاسلام اعتبرضبط ردود الافعال والمشاعر والعواطف اعتبره جهاد النفس والجهاد الاكبر و واعتبر الجهاد بالسلاح من الجهاد الاصغر لماذا؟ لأن الآثار المترتبة على عدم ضبط المشاعر وردود الفعل آثارها خطيرة جداً.. لذلك اخواني كل واحد منكم اذا واجه مشكلة نزاع في داخل البيت او الاسرة او داخل العشيرة او بين عشيرة واخرى او بينك وبين شخص آخر تجاوز عليك وغير ذلك.. لابد ان يكون هناك ضبط لردود الفعل ويتعامل بهدوء مع مثل هذه الحالات.. احياناً تلاحظون مشكلة بين فرد وفرد آخر او بين اسرة واخرى او بين عشرتين او مكونين مهمين.. اذا كان رد الفعل والتعامل برد فعل عنيف يؤدي الى عنف مقابل فالآخر يرد فعنف اكبر ثم يأتي رد من الاول بعنف أكبر وهكذا تتحول الحالة من أمر بسيط الى حالة من الصراع العنيف لذلك الاسلام حثّ في مثل هذه الحالات على ان يكون التعامل بضبط العواطف والانفعالات والتعامل بالأسلوب الهادئ.. لذلك من اجل الحفاظ على هذا التماسك الاجتماعي يدعو الاسلام للتعامل بهدوء مع هذه الاختلافات والمشاكل والنزاعات مع الاخرين.. الامر الاخر الذي يهدد سلامة العلاقات الاجتماعية هو (استخدام الحوار السلبي والنقد غير البنّاء) يعتبر الحوار من أهم الاساليب وافضل الاليات للتعايش الفكري والاجتماعي الايجابي، ايضاً من الاساليب المهمة والفعّالة في معالجة واصلاح العيوب والزلاّت والعثراتوتصرفات الاخرين هو النقد البنّاء.. ما معنى النقد البنّاء؟ اذا شاهد الاخرين عند احد الاشخاص زلل او خطأ عليهم ان يؤشروا له ويبينوا له هذا الخطأ ولكن على ان يكون هذا التأشير موثوقاً ودقيقاً لا ان الانسان يتسرع ويأخذ من ظواهر الامور ويحكم وفق ظواهر الامور على الاخرين فيؤشر خللا ًً وزللاً عند الاخرين وتسرّع في ذلك.. لابد ان يكون النقد بنّاءً ولابد ان يكون التأشير شيء موثوق به ومتأكد منه.. وطرح النقد بأسلوب لا ينتقص من الاخرين ولا يحط من شأنهم العلمي والاجتماعي وهذا من الاساليب الحيوية لتنبيه الاخرين على عيوبهم وزلاتهم وعثراتهم واصلاحها.. نحن في الغالب هذه ثقافة الحوار والنقد البنّاء غائبة عن اوساطنا الثقافية والاجتماعية والسياسية في كثير من الاحيان الحوار لا يكون موضوعياً ولا يكون مبنياً على اسس علمية ويكون حواراً سطحياً..لابد ان يكون الحوار بيني وبين الاخر حوار موضوعي علمي واذا كان هناك نقد لا يكون النقد مبني على اظهار عيوب وزلاّت الآخرين.. لذلك اخواني هنا ننصح في مثل الحوارات والندوات التي تقام في الفضائيات او الندوات العامة او الجلسات الاجتماعية او ان مجموعة تجلس مع مجموعة اخرى..يحاول ان يكون حواره علمياً دقيقاً مبنياً على الادلة والعمق و في نفس الوقت اذا كان لديه نقد خاصة اذا كان طرح النقد من خلال وسائل يشاهدها ويسمعها الكثير من الناس..لابد ان يكون هذا النقد مبنياً على الوثوق والتأكد من حالة الزلل والخطأ عند الاخرين وان يكون الاسلوب الذي يستخدم اسلوب لا يكون فيه جرح لمشاعر الاخرين ولا يكون فيه انتقاص لشخصيتهم او الاستهانة بهم.. من هنا اخواني نحتاج الى الحوار الايجابي والنقد لابد ان يكون نقداً بنّاءً.. ايضاً من الامور التي تهدد سلامة العلاقات الاجتماعية هو (هتك حرمة الآخرين والاستخفاف بهم وتحقيرهم) المؤمن له حرمة عظيمة عند الله تعالى حياً وميتاً وحاضراً وغائباً وقد حثت الاحاديث على إجلال المؤمنين بعضهم للبعض الآخر واحترامهم وتوقيرهم والتواضع لهم ونهت بشدّة عن أي اسلوب فيه استهانة او استخفاف او تحقير او توهين او انتقاص، واعتبر ذلك من الاستخفاف بالدين بياناً لمنزلة المؤمن وموقعه في نظر المشرع الاسلامي، ورد في الحديث الشريف (من عظّم دين الله عظّم حق اخوانه ومن استخف بدينه استخف باخوانه). ولكن نجد ان البعض يتتبع عورات الاخرين وزلاتهم وعثراتهم ويذكرها امام الاخرين او ينتقص من شأنه او يصدر منه فعل او قول او نظرة فيها احتقار او ازدراء او استخفاف بالاخرين او طعن بشخصيتهم الاجتماعية مما ينشأ عنه الحقد والعداوة والتقاطع الاجتماعي. ايضاً من الامور التي تهدد سلامة العلاقات الاجتماعية هي (فلتات اللسان والتسقيط الاجتماعي) فلتات اللسان من قبل الغيبة والنميمة والفحش والسب والبهتان والافتراء والكلام البذيء الذي يصدر من الانسان وهذا قد يؤدي الى الحط من المنزلة الاجتماعية للمؤمنين فنلتفت مثلاً حينما هذا الانسان يغتاب الانسان الاخر فما هي النتائج؟ أولا ً الله تعالى يريد منك بقلبك ان تُحب أخيك واذا اغتبت الاخر تتبدل مشاعر الحب الى مشاعر البغض والكراهية، ثانياً: هذا يؤدي الى تسقيطه اجتماعياً بحيث لا يبقى له منزلة والتسقيط الاجتماعي يؤدي الى المقاطعة الاجتماعية من قبل الاخرين لهذا المؤمن الذي اغتبته او حصلت النميمة عليه والمقاطعة الاجتماعية تؤدي الى ان يعيش اخيك المؤمن حالة من العزلة الاجتماعية والى ان يعيش الانسان حالة الهم والغم والشعور بهذه العزلة التي تعرقل عليه تحصيل مصالحه المعيشية و الاجتماعية.. كل هذه الآثار هي نتائج لزلاّت الانسان..لاحظوا كيف ان هذه الآثار تنتقل الى المجتمع، بينما الله تعالى يريد دائماً تواصل وتحابب بين المؤمنين، ولاحظوا ان التسقيط الاجتماعي للمؤمن الذي هو أشد من القتل الجسدي فالقتل الاجتماعي بتسقيط شخصية الآخرين تؤدي الى ان هذا الانسان سيبقى يعاني طوال حياته.. لذلك حيث ورد انه من الامور المهمة في صفات المؤمن ان الانسان يراقب لسانه دائماً وورد في صفات المؤمنين ان (قلب المؤمن أمام لسانه) يعني اذا اراد الانسان ان يتكلم بكلام لا يتسرع ولا يتعجّل ويعرض كلامه على قلبه ليكون مصفاة لهذا الكلام فان وجد القلب والعقل ان هذا الكلام فيه نفع وخير أمضاه وان وجد القلب والعقل ان هذا الكلام فيه مضرّة غير مقبول شرعاً وعقلا ً أمسك وتوقف عن الكلام.. الآن هذه وسائل التواصل الاجتماعية والعناوين المتعددة من تويتر وفيس بوك وغيرها هذه من اخطر ما تمثله آفات اللسان.. فقد يتكلم شخص امام عدد قليل من الاشخاص اثنين او ثلاثة او اربعة اشخاص يتكلم عن عالم او مرجع او شخصية اجتماعية فسيتأثر بهذا الكلام ويترتب موقف عن هذا الكلام هؤلاء الاشخاص الثلاثة او الاربعة مثلاً، بينما عندما يكتب الشخص في الفيسبوك مثلاً فربما عشرة الاف سيطلعون على كلامه.. وفي يوم القيامة يظهر في سجله الآثار التي ترتبت على العشرة آلاف.. لذلك ايها الاخوة والاخوات اذا كانت الاحاديث تحثنا على ان نتوقف مثلاً مرة واحدة حينما اريد ان اتكلم بلساني فان مقتضى هذه الاحاديث اذا اردت ان اكتب في أي موقع او وسيلة من وسائل التواصل الحديثة والتي تنشر كلامي لعشرات الالاف ينبغي ان توقف الف مرة ولا اتسرع فيما اكتب خصوصاً ان بعض الكتابات تولد موقف ورأي عند مجموعة كبيرة من الناس.. وهذه الآثار كلها تُكتب والانسان هو غير ملتفت ولكن في الواقع هذا وصل الى الالاف من الناس الذين صار لهم موقف ورد فعل قد يمتد عبر سنوات.. لذلك علينا اخواني ان نلتفت الى الاثار الخطيرة المترتبة على ذلك..