الأحد ٢٤ تشرين الثاني ٢٠٢٤

الخطبة الثانية لصلاة الجمعة بإمامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في 24/ربيع الآخر/1439هـ الموافق 12 /1 /2018م :


تاريخ الاضافة:-2019-12-23 13:39:29 | عدد الزيارات: 1323

لا زلنا في منظومة القواعد الاخلاقية والاجتماعية التي دعا اليها الاسلام في المعاشرة بين المؤمنين.. وسبق ان بينا في خطب سابقة ان الاسلام حرص على اقامة روابط وعلاقات اجتماعية تحفظ للمجتمع تماسكه وقوته وارتباط افراده برباط يحقق للمجتمع امنه الاجتماعي واستقراره وسعادته وانتظام اموره ويوفر القدرة على مواجهة التحديات والمصاعب والمشاكل المختلفة التي يواجهها خلال حركته الاجتماعية وشدّد على اهمية ادامة هذه الروابط والحفاظ على قوة هذا التماسك الاجتماعي وحذّر من المخاطر والخرق لهذه المنظومة الاجتماعية وبيّن الاثار الاجتماعية والاخلاقية الخطيرة التي سينزلق اليها المجتمع فيما لو لم يلتزم بها.. وفي هذه الخطبة نذكر بعضاً من المخاطر والتحديات التي تتعرض لها سلامة هذه المنظومة الاجتماعية خصوصاً على مستوى الشعوب والاوطان وليس في داخل العراق فقط بل داخل العراق وخارجه وعلى مستوى المجموعات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، اخطر شيء والذي هو من التحديات والمخاطر ما نذكره في النقطة الاولى: 1- النظرة الفوقية والاستعلائية على الاخرين: ان هذا الانسان او المجتمع او اصحاب المذهب او اصحاب الدين او الفكر ينظرون لانفسهم على انهم افضل من الاخرين وانهم فوقهم وان الاخرين دونهم وهذه النظرة الفوقية للنفس وللمجموعة ولكل كيان والنظرة الدونية للاخرين.. وهذه النظرة تؤدي الى التكبّر والاستعلاء والتعدّي على الاخرين وقتلهم والتنكيل بهم وغير ذلك وهذا ينشأ من مجموعة من انواع التعصّب وعلى رأسها: أ‌- التعصّب الديني او المذهبي: تعلمون اخواني هناك اختلاف في العقائد الدينية والمذهبية وبعض اصحاب هذه الديانات او المذاهب يعتقد بأنه هو الأفضل وهو الأقوم وهو الأصلح ولا توجد مشكلة لصاحب الحق في ذلك، ولكن لو كان يعتقد بأنه الاصلح والأفضل وهو ليس كذلك وهذه الخطورة الأولى.. والأمر الآخر ما يتعامل به مع اصحاب الديانات والمذاهب الاخرى على ضوء نظرته الفوقية والدونية للاخرين هنا تأتي الخطورة حينئذ سيشعر بأن الاخرين ليسوا هم الافضل وهو له البقاء حتى يصلح به المجتمع والمجتمعات الاخرى حيث انه يعتقد بأنه هو الأصلح والأقوم فلابد ان يكون له البقاء والاخرين ليسوا كذلك هم أصحاب ضلال وباطل ويشكلون خطراً عليه وعلى بقية اصحابه على ضوء هذه النظرة يستعمل ربما اسلوب العنف مع الاخرين ويحاول تصفيتهم والتنكيل بهم والقتل او غير ذلك من الاساليب التي تهدد السلم الاجتماعي. كيف نعالج هذه القضية؟ القرآن الكريم والاحاديث الشريفة تبين ان هناك اختلاف في الديانات والمذاهب المتعددة وهذا الاختلاف هو أمر واقع لا مجال لتغييره الى يوم القيامة.. لكن لا يُساء فهم هذه العبارة من قبل البعض.. هل يعني هذا الكلام ان اصحاب الدين الحق والمذهب الحق لا يدعون الى أحقيتهم والى دين الحق ومذهب الحق ولا يدعون الناس ويبينون لهم أحقية هذا الدين والمذهب؟! كلا.. ليس هذا يختلف.. نعم هم عليهم ان يبينوا هذا الحق ولكن بالدليل والحجة والبرهان ولا يستعملوا اسلوب الازدراء والاحتقار الى الاخرين والتسقيط لهم ولرموزهم، المشكلة هنا انه احياناً صاحب الحق لا يطرح قضيته الحق بالدليل والبرهان والحجة والاسلوب الذي فيه احترام للآخرين ومن خلاله يدخل الى قلوبهم.. بل قد يستخدم اسلوب التحقير والازدراء من الاخرين ولمذهبهم ولرموزهم وهذا الذي يهدد السلم الاجتماعي ويولّد الكراهية والحقد.. الاسلام دعا ان اصحاب الحق يدعون لدعوتهم الحق بالحكمة والموعظة الحسنة واحترام الاخر مما يعني ان هناك دعوة لاحترام التعددية الدينية والمذهبية وهذا لا يتنافى مع ان اصحاب الحق يدعون من خلال وسائلهم كافة ويبينون هذا الحق وبالاسلوب الذي جاء به هذا القران الكريم..ولهم الحرية المنضبطة التي تعني ان لأصحاب الدعوة الحق ان لهم الحرية في ان يدعو الى هذا الدين والمذهب الحق ولكن ضمن الضوابط التي تحفظ السلم الاجتماعي للمجتمع بحيث لا تتحول الحالة الى كراهية وبغض وعداوة وتنافر وتحارب بين اصحاب المذهب الحق واصحاب الباطل الا اذا اعتدى اصحاب الباطل فأصحاب الحق لهم ان يدافعوا.. ب‌- التعصب الفكري: وصاحب هذا التعصب ربما لا يكون له فكر وعقيدة دينية او مذهبية بل هو يعتقد بافكار وضعية ثقافية او فكرية او اجتماعية.. ومثل هؤلاء المتعصبين لأفكارهم العامة يعيشون حالة الانغلاق الفكري ويجمدون على آرائهم ومعتقداتهم ويأنفون من التغيير والتطور ويرفضون مناقشة آرائهم ويتشددون ويهاجمون الاخرين ويطعنون فيهم – وربما- يستخدمون اساليب العنف لترجمة هذا الموقف التعصبي اذ يعتقد ان الاخر على باطل وضلال، وينشر مثل هذا التعصب بذور الفرقة والعداء والحقد ويحوّل القوى البناءّة الفكرية والعلمية التي ينبغي ان تستخدم في تطوير حركة المجتمع نحو التضاد والتصارع الذاتي فيما بينهما-. فمثلا ً قد يكون هناك طبيب او مهندس او استاذ او معلم او موظف او رجل يحمل من هذه العلوم يعتقد انه الافضل لا يقبل نقد الاخرين ولا يقبل بيان آراء الاخرين بحق ما لديه من علم او خبرة او غير ذلك من الاراء الاجتماعية او الاقتصادية او الفكرية فتراه يتكبر ويصيبه الغرور ولا يقبل أي نقد او بيان لخلل في فكره.. التفتوا اخواني ان النظريات العلمية والاجتماعية والاقتصادية والعلوم الموجودة ناشئة من التعاون العلمي بين الجميع فتجد الافكار تجتمع بمجموعة افكار من مجموعة من العلماء وتجتمع في نظرية واحدة وهذا التعاون العلمي بين الجميع ومحصلة افكار الجميع تصل الى النظرية المفيدة للمجتمع نتيجة محصلة الاراء الكثيرة والبعض يؤشر الخلل لدى البعض الاخر لو وجد لذلك نحصل على النظرية الافضل.. واذا كنت انا اشعر انني افضل من الاخرين واتكبر عليهم فهذا سيؤدي الى ان الاخرين سينفرون مني ويكرهونني ويعادونني تحصل حالة النفور والمعاداة وحينئذ سيحصل الانقطاع العلمي بين المجموع والذي يفوّت علينا فرصة تحصل هذا المجموع العلمي الناشيء من مجموعة من اصحاب العلوم والخبرة.. ج- التعصب الوطني او العشائري او القبلي: لاشك ان كل انسان يرتبط بأرض او قومية او عشرية يعتز بهذا الارتباط فاذا كان ضمن حدوده كان ايجابياً ولكن لو تحول الى اعتقاد بالأفضلية والاشرفية على الاخرين فإنه سيتحول الى هذه النظرة الفوقية لوطنه او قومه او عشيرته والدونية للاخرين وسيحاول اصحاب هذا التعصب السيادة على الاخرين والتحكم بهم وبسط سيطرتهم عليهم وينشأ عنه الصراع المجتمعي او الوطني ويصاحبها الكراهية والعداء والذي يؤدي الى التقاتل والتحارب.. وانا اود من اخواني رؤوساء العشائر والقبائل ان يلتفتوا لهذه النقطة ولا يشعر بأنه هو أفضل من الاخرين اذ لابد ان اجلس مع الاخرين واتفاهم معهم ولا اُشعرهم بأني الافضل والاقوى واحاول فرض ما لدي من اعراف واحكام وتقاليد واحاول ان اهيمن على الاخرين فهذا من الامور التي تؤدي الى الصراع والتناحر والعداوات.. د- التعصب السياسي: وصاحب هذا التعصب يعتقد ان افكاره السياسية هي الاصلح والافضل وان منهاجه السياسي هو الاقدر على تحقيق مصالح البلد وان غيره دونه في ذلك فهو أقدر وأفضل من الاخرين في ادارة الامور السياسية فيحاول يجني اكبر المكاسب السياسية او يحاول ان يستحوذ على حقوق الاخرين ويمنعهم من حقوقهم ويرفض انتقادات الاخرين وتعرضهم لبيان الخلل في فكره السياسي وذكرهم لزلاته وعثراته في ادارة الامور العامة وربما يلجأ الى محاربتهم وتسقيطهم اجتماعياً واخلاقياً وسياسياً من اجل ازاحتهم عن طريقه حينما يشعر بخطورة الاخرين عليه.. فتراه يتكبر ويعلو ولا يقبل من الاخرين نقدهم وبيان الخلل في فكره ومنهاجه..، حينئذ تبتلي الامّة والشعب بمثل هذا النوع من التعصب السياسي الذي مخاطره كثيرة.. نسأل الله تعالى ان يعصمنا من ذلك ويوفقنا ان شاء الله تعالى لما يحب ويرضى انه سميع مجيب والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين..