الأحد ٢٤ تشرين الثاني ٢٠٢٤

خصوصية (سلام الله) وشمولها لزائر الحسين عليه السلام


تاريخ الاضافة:-2019-12-23 13:39:29 | عدد الزيارات: 1379

إن عبارة (سلام الله) وردت في مطلع بعض الزيارات الشريفة المروية في كتب الادعية, ولا يخلو الأمر من وجود خصوصية في ذلك السلام العظيم, إذ لم يعهد أسلوب هذا السلام في أغلب زيارات المعصومين والأولياء ولم يرد إلا في بعض الزيارات الواردة في خمسة من المعصومين والأولياء دون سواهم، ولأجل ذلك نريد أن نبين معنى السلام بشكل عام ومعنى (سلام الله) بشكل خاص. الإسلام والسلام السلام في اللغة هو الأمان[1] نحو قوله تعالى ( (يَهْدِي بِه اللَّه مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَه سُبُلَ السَّلامِ))[المائدة – 5]، ( (لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ)) [الأنعام – 127] اي طرق ودار السلامة[2] والسلام هو إسم من اسماء الله عز وجل ومعناه أن الله سالم ومنزه عن العيب والنقص وهو موجد الأمان والطمأنينة[3]. واطلق على اتباع الدين الحنيف المسلمين ( (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)) [آل عمران – 67]، و ( (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ)) [الحج – 78] فسمي الدين الحنيف اسلاما واتباعه مسلمين، وبحسب النبوي المشهور (المسلم من سلم الناس من لسانه ويده) فيظهر منه أن معنى الإسلام يعود إلى المعنى اللغوي أي أن المسلم من أمن الناس من لسانه ويده. والذي يتدبر القرآن الكريم ويتأمل النصوص الشريفة يجد أن لمعنى السلام اهتماماً خاصاً في الدين الحنيف حتى جُعل عنوانا له وجُعل اساسه ومرتكزه وعليه ابتنت احكامه وثقافة التعايش فيه (واذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) وابتنى عليه – أيضا - في حروبه وجعله جزء الزاميا من بعض العبادات اليومية وسميت بعض محال الدفن المقدسة بدار السلام وكذلك ليال القدر المعظمة ومآل العباد الصالحون في الآخرة إلى دار السلام وكلامهم في الجنة سلاما فيستنتج من ذلك كله أن السلام هو جوهر الدين الحنيف. ومن اهم الموارد التي أراد الاسلام فيها تركيز معنى السلام وربط المسلمين به وجعله جزء لا يتجزء من حياتهم اليومية هو جعل تحية الدين الاسلامي هي (السلام) فورد الحكم بإستحباب ابتداء السلام ووجوب رده واعطاء الثواب الأكثر لمن يبتدء السلام وان السلام قبل الكلام. الفرق بين التعريف بـ ال والتنكير في السلام في الزيارات الشريفة لسنا بصدد الوقوف على معاني السلام بالتفصيل او بيان النكات اللغوية بل نوضح خصوص السلام الوراد في مطالع الزيارات الشريفة بشكل مختصر بما أن المعصومين عليهم السلام مماتهم كحياتهم جائت زياراتهم كلها مطلعها تحية السلام وحتما أن سلامهم من الله عز وجل كما في الدعاء الوارد عنهم عليهم السلام (اَللّـهُمَّ اَنْتَ السَّلامُ وَمِنْكَ السَّلامُ وَلَكَ السَّلامُ وَاِلَيْكَ يَعُودُ السَّلامُ)[4]، فالسلام الوارد تلك الزيارات الشريفة على نحوين، الأول ما كان معرف بـ ال (للإستغراق) وهي تفيد العموم كـ السلام عليك يا وارث آدم...، والثاني نكرة معرف بالإضافة الى معرفة وهي تفيد العموم كـ سلام الله العظيم وصلواته عليك... فحسب ما تقدم من الدعاء يكون المعنى في الأول سلام الله الشامل والثاني كذلك، هذا وجه الاتفاق أما وجه الاختلاف فالمعرف بـ ال يفيد الشمول بالتمام والكمال، والنكرة المعرف بالإضافة يفيد الشمول في خصوص ما اضيف اليه ومع الاضافة إلى صريح إسم الخالق يفيد الشمول مع التعظيم. الزيارات الواردة بتنكير السلام نورد مقاطع صرحت بسلام الله من قبل المعصومين عليهم السلام في زياراتهم لبعض المعصومين والأولياء التي ذكرت في أمهات كتب الأدعية والزيارات المعتبرة: الأول: أمير المؤمنين عليه السلام فجاء في موضعين من زياراته ففي احد الزيارات المطلقة (سَلامُ الله وَسَلامُ مَلائِكَتِهِ المُقَرَّبِينَ وَالمُسْلِّمِينَ لَكَ بِقُلُوبِهِمْ يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ وَالنَّاطِقِينَ بِفَضْلِكَ وَالشَّاهِدِينَ عَلى أَنَّكَ صادِقٌ أَمِينٌ صِدِّيقٌ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكاتُهُ)[5] وفي زيارة اخرى (سَلامُ الله وَسَلامُ مَلائِكَتِهِ المُقَرَّبِينَ وَأَنْبِيائِهِ المُرْسَلِينَ وَعِبادِهِ الصَّالِحِينَ وَجَمِيعِ الشُّهداء وَالصِّدِّيقِينَ عَلَيْكَ يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ)[6] الثاني: سيد الشهداء عليه السلام فجاء في وداع الامام الحسين عليه السلام (سلام الله وسلام ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين وعباده الصالحين يا بن رسول الله عليك وعلى روحك وبدنك وعلى ذريتك ومن حضرك من أوليائك)[7] الثالث: العباس بن علي بن أبي طالب عليهما السلام (سَلامُ اللهِ وَسَلامُ مَلائِكَتِهِ الْمُقَرَّبينَ وَاَنْبِيائِهِ الْمُرْسَلينَ وَعِبادِهِ الصّالِحينَ وَجَميعِ الشُّهَداءِ وَالصِّدّيقينَ، وَالزَّاكِياتُ الطَّيِّباتُ فيـما تَغْتَدي وَتَرُوحُ عَلَيْكَ يَا بْنَ اَميرِ الْمُؤْمِنينَ)[8] الرابع: مسلم بن عقيل عليه السلام فجاء في زياته (سَلامُ الله العَلِيِّ العَظِيمِ وَسَلامُ مَلائِكَتِهِ المُقَرَّبِينَ وَأَنْبِيائِهِ المُرْسَلِينَ وَأَئِمَّتِهِ المُنْتَجَبِينَ وَعِبادِهِ الصَّالِحِينَ وَجَمِيعِ الشُّهداء وَالصِّدِّيقِينَ وَالزَّاكِياتِ الطَّيِّباتِ فِيما تَغْتَدِي وَتَرُوحُ عَلَيْكَ يا مُسْلِمَ بْنَ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طالِبٍ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكاتُهُ)[9] الخامس: هانئ بن عروة عليه السلام فورد في زيارته (سَلامُ الله العَظِيمِ وَصَلَواتُهُ عَلَيْكَ يا هانِي بْنَ عُرْوَةَ)[10] والذي يظهر من الزيارات السابقة أن هذا السلام -وان كان هو جملة انشائية بمعنى الطلب- في الحقيقة والواقع هو اخبار، أي أن المعصوم ناقلاً لسلامهم لا طالباً له وإن كان طلب المعصوم حتمي الاجابة. كيف نحصل على هذا الوسام هنا يبقى أمراً مهماً أن هذا السلام الخاص الذي ذكر في الزيارات هل يمكن ان يحصل عليه المؤمنون أم لا؟ وهل هو صعب الحصول؟ الجواب هو: يمكن الحصول عليه ولكن بشرط ولعل البعض يستسهله وهو الحضور عند سيد الشهداء عليه السلام بدليل ما تقدم في الزيارات في وداع الامام الحسين عليه السلام (سلام الله وسلام ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين وعباده الصالحين يا بن رسول الله عليك وعلى روحك وبدنك وعلى ذريتك ومن حضرك من أوليائك). ولقائل أن يقول لماذا جعل نيل هذا السلام في خصوص الحضور عند سيد الشهداء عليه السلام؟ فيجاب عنه أن الامام الحسين عليه السلام هو استثناء مطلق بدليل الرواية المشهورة (أن سفينة جدي الحسين أوسع وفي لجج البحار أسرع) وهناك شواهد عدة على ذلك منها نصوص الحزن والجزع الواردة بحقه وإنه حبي بثلاث لم يحبى بها غيره ونظير نيل ذلك السلام الخاص هو الوجاهة الآلهية التي حصل عليها بعض الأنبياء فذكر في حق النبي موسى عليه السلام: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا)[الأحزاب – 69] وايضا بحق النبي عيسى عليه السلام: (إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) [آل عمران – 45] وكذلك اهل البيت عليهم السلام بما جاء في دعاء التوسل الشريف (يا وجيهاً عند الله إشفع لنا عند الله) فهذه الوجاهة الآلهية يطلبها زائر الحسين عليه السلام عند زيارته (اللهم اجعلني عندك وجيها بالحسين عليه السّلام في الدّنيا والآخرة)[11] وشاهد آخر وهو شدة القرب إلى الله عز وجل يتحقق بمولاة سيد الشهداء عليه السلام والبراءة من اعدائه لما جاء في زيارته العظمى (... يا اَبا عَبْدِاللهِ اِنّي اَتَقَرَّبُ اِلى اللهِ وَ اِلى رَسُولِهِ وَاِلى اَميرِ الْمُؤْمِنينَ وَاِلى فاطِمَةَ وَاِلَى الْحَسَنِ وَاِلَيْكَ بِمُوالاتِكَ وَبِالْبَراءَةِ مِمَّنْ قاتَلَكَ وَنَصَبَ لَكَ الْحَرْبَ...)[12] وفي الحقيقة هذين الشاهدين والسلام الخاص هي مقامات عالية، وهناك مقامات عالية أخرى يطول بها الكلام يحصل عليها المؤمن من خلال سيد الشهداء عليه السلام، فيتضح أن الله عز وجل أراد أن يكون الامام الحسين عليه السلام باب رحمته الواسعة. سلام المعصومين هو سلام الله من الواضح والمسلمات عند أتباع أهل البيت عليهم السلام علمائهم وعوامهم أن الأئمة عليهم السلام كجدهم رسول الله صلى الله عليه واله (لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) بدليل العصمة العقلي وآية التطهير وحديث الثقلين وبما جاء في صريح قول الإمام الصادق صلوات الله عليه: "حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين عليه السلام وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وحديث رسول الله قول الله عز وجل"[13] وكما وصف حديثهم أحد شعراء أهل البيت عليهم السلام قائلا: ووالِ أناساً قولهم وحديثهم روى جدّنا عن جبرئيل عن الباري[14] فالسلام الوارد عنهم عليهم السلام حتما هو عن الباري عز وجل وهو مطابق ومناسب لما تستحقه شخصية المخاطب به والتصريح بسلام الله إلى شخص معين هو تصريح عظيم لانه من إمام معصوم فيكون تصريحاً ربانياً واقعياً كما يعتبر شهادة عظيمة بحق من خوطب به فتحصل مما تقدم: 1- أن جوهر الاسلام وحقيقة المسلم هو السلام أي الأمن والطمأنينة. 2- أن قول المعصوم (سلام الله) يفيد شمول جميع سلام الله مع التعظيم. 3- أن ذلك السلام الخاص يمكن للمؤمنين الحصول عليه من خلال الحضور عند سيد الشهداء عليه السلام. 4- أن الإمام الحسين عليه السلام هو استثناء مطلق وباب رحمة الله الواسعة وطريق نيل المقامات العالية. 5- أن سلام المعصومين هو سلام الله كما يعتبر شهادة عظمة مطابقة ومناسبة لما تستحقه شخصية المخاطب به. الكاتب: إبراهيم السنجري مؤسسة الإمام الحسين للإعلام الرقمي _______________________________ [1] معجم المعاني الجامع: معنى السلام. [2] تفسير غريب القرآن: ص504 [3] انظر مجمع البحرين: ج6 ص84 [4] من لا يحضره الفقيه: ج1 ص 322 [5] مفاتيح الجنان: ص 534 [6] مفاتيح الجنان: ص 537 [7] مصباح المتهجد: ص 728 [8] مفاتيح الجنان: ص 639 [9] مفاتيح الجنان: ص 596 [10] مفاتيح الجنان: ص 599 [11] زيارة الحسين يوم عاشوراء [12] السابق. [13] الكافي: ج1 ص53 [14] الجواهر السنية - الحر العاملي: ص ٢٢٥