الأحد ٢٤ تشرين الثاني ٢٠٢٤

المرجعية ، لمن يريد ان يكون قارونا : قيمة المال في إنفاقه وليس اكتنازه ، وقيمة صاحبه فيما يحسنه لا فيما يملكه


تاريخ الاضافة:-2019-12-23 13:39:29 | عدد الزيارات: 1361

تستمر المرجعة الدينية العليا في منهجها الإصلاحي البنيوي من خلال نمذجتها للقصص القرآنية وجعلها عبرة لمن تريد ان تثّور فيهم مفاهيم الإسلام القويم ، وللمرة الثانية يحتل الأنموذج السلبي " قارون " وجمعه للمال ؛ المساحة الأكبر في حديثها من خلال منبرها الجمعوي ، لما لهذا النموذج من أشباه ونظائر في حياتنا المعاصرة . حيث أكدت المرجعية في حديثها لمن يريد ان يكون على شاكلة قارون ـــ على أمل ان ينفعه حديثها هذا ؛ في تحييده عن مراميه غير المشروعة بعد أن غاص قارون في أمواله حد أذنيه وباتتا لا تسمعا نصحا من احد ـــ بأن " قيمة كل امرئ في ما يُحسن وليس بما يكنز .. وقيمة المال في إنفاقه وليست في كنزه " . وأكدت المرجعية على أن فلاح اهل المال مشروط بإنفاقه في وجوه البر ، معتبرة أن اشرف البر وافضله هو الإنفاق عند من يلتزم السواتر بالدفاع عن الأرض والعرض ؛ بما يعينهم على تطهير جميع الأراضي المغتصبة من دنس الدواعش . كما اعتبر ممثل المرجعية وإمام جمعتها في كربلاء المقدسة سماحة السيد احمد الصافي خلال خطبته الثانية التي أقيمت بإمامتها في الصحن الحسيني الشريف اليوم الجمعة 14 ذي الحجة 1437هـ الموافق 16 أيلول 2016 م ، أن " الاكتناز حالة سلبية .. وليست للمال قيمة الا بالإنفاق " . وفي إشارة خفية وذكية ، أعتبر الصافي ـــ بعد أن عرف ( قارون ) بأل التعريف رغم كونه اسم علم ـــ انه " أصبح مصطلحاً لكل من يكون على هذه الشاكلة " . واستهجن الصافي انشغال بعض الناس في أحاديث طويلة بالتفاخر بما يملكون ، معتبرا ذلك تعبيرا عن نقص ما ، فيمن يتفاخر بهذا الأسلوب القاروني ، لأن قارون هو الأخر كان يفتخر بما عنده و " يرى ان قيمته بما جمع " ، عاّدا تباهي الناس بالمال وليس بالعلم من ابتلاءات العلم . وبيّن إمام جمعة كربلاء المقدسة افتقاد الأمم لموازين تقييمها للأشخاص وسط الجعجعة والحضور الوهمي ينبأ بابتلاءات حقيقة ، كما أن الله تعالى سيجعل من يتجبر ويتكبر ويصنع لنفسه شأنية مزيفة ، في خبر كان خلال لحظات . وأكد سماحته بأن الله سبحانه وتعالى ؛ لا يريد ان يسلينا بقصصه القرآنية كما يفعل القصاصون ، بل يريدنا ان ننتبه " ، محذرا في الوقت ذاته بأن عدم تفهمنا للمقاصد الإلهية سيبلينا بما يشاءه الله من ابتلاءات كما فعل مع الامة في زمن قارون . وفيما يلي النص الكامل للخطبة .. إخوتي اخواتي ... ذكرنا فيما سبق عن مسألة الافتتان في المال ؛ وذكرنا ان القرآن الكريم عرّج على شخصية اُعطيت مالاً كثيراً وعبر عنه القرآن الكريم بتعبيرات مضت ولكنه أصيب بالغرور ؛ وأيضاً كان فتنة لصنفين من الناس .. صنف تمنى ان يكون على شاكلته وصنف من الذين اوتوا العلم كانوا يتميزون بالعقل والسكينة ويعرفون ان هذا ليس هو مقياس الشخصية .. وهذا الشخص هو قارون ؛ وأصبح هذا اللفظ ـــ لفظ قارون ـــ يمثل في أذهان الجميع هي السلطة المالية التي تُجمع بغير حق والله تبارك وتعالى يسرد لنا هذه القصة ويركز على المهم منها . هذا القارون اعرفه بالألف واللام مع انه اسم علم .. إشارة الى انه أصبح مصطلحاً كل من يكون على هذه الشاكلة ؛ فانه سيسلك هذا المسلك .. هذا القارون يدعي انه ملك ما ملك بعلم من عنده : (( قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنْ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمْ الْمُجْرِمُونَ )) . قارون يقول : " أنا لا اعترف بجهة اخرى وانما نظري الى ما اجمع والى ما اكنز وهذا ان دل على شيء انما يدل على انني شخصية عظيمة استطعت بعلمي وجهدي ان اجمع هذه الثروة وأنني لا اعترف بموجّه ولا خطيب ولا ناصح ولست في هذا الصدد اسمع كلاماً وانما انا حصلت على ما حصلت بعلمي و بحيلتي وشطارتي وذكائي " ... هذه فلسفة القارون الذي يجمع المال . بالنتيجة أصناف من الناس ، تارة ينظر اليه نظرة المعجب به وأخر نظرة المعتبر به . القران الكريم يقول هذا قارون كان في مجموعة طيبة من قوم موسى فبغى عليهم لكنه تجاوز الحدود وبغى والله تبارك وتعالى عرض بأنه اوتي من الاموال ان مفاتحه تنوء بالعصبة اولي القوة . الآن نكمل المقاطع الأخرى من الآيات الشريفة .. لاحظوا أخواني ما حصل : قارون قطعاً يفتخر بما عنده ، يرى ان قيمته بما جمع .. الناس تتباهى بأي شيء تتباهى .. اذا كانت سوق العلم رائجة الناس تفتخر في العلم وتقيّم العلم .. اذا كانت سوق المال رائجة الناس تتباهى بالمال ؛ والعلم لا تعتني به ، وهذه من ابتلاءات العلم .. اذا كان امراً معينا هو رائج الناس تتباهى ، ونحن الآن نرى بأم اعيننا كيف الناس تنشغل بحديث قد يطول ساعة او اكثر عندما تصغي الى ما يتحدثون به تجد نحو من التفاخر بسيارة او بيت او بعض وسائل التكنولوجيا الناس تتفاخر .. الناس تشعر ان عندها مجموعة من النواقص وتحاول ان تسد هذه النواقص بهذه الأشياء . قارون كان يعتقد ان نقصه هو المال يرى ان قيمته في المال ؛ فإذا كان عنده مال أعلى فهو لابد ان يكون شخصية كبيرة . وهذا حتى في زمن موسى عليه السلام ؛ كان فرعون يرى القيمة الحقيقية بالقصر والمال والذهب وغيرها . في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ايضاً اهل مكة قريش اعترضوا الله يجعل محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو النبي وإلا كان ينبغي ان ينزل على رجل من القريتين عظيم لكثرة ماله وجاهه . الامة عندما تفقد الموازين في تقييم الاشخاص حقيقة الحق يصعب ان يجد له طريقاً وسط هذه الجعجعة ووسط هذا الحضور الوهمي ، الامة كانت في زمن قارون امة لم تفهم الحقائق وعُذّب موسى عليه السلام من أمته عذاباً شديداً .. الله تعالى ابتلى امته بابتلاءات حقيقة صعبة على شخص ان يتحمله لولا ان موسى عليه السلام نبي من الأنبياء .. يعبدون العجل وعندما ذهب الى الالواح اعتدوا على اخيه هارون عليه السلام وأصبحوا يسومونه ألوان العذاب حتى ان الله تعالى ابتلاهم ان يتيهوا في الارض اربعين سنة والمسافة بين مصر وفلسطين لعلها قليلة . الامة لم تكن تعي اين المصلحة .. هذا قارون ؛ احتال على الامة وأراد ان يبين ان العلم الذي عندي هو الذي جاءني بهذه الاموال .. الان بدأ يستعرض : (( فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ )) القصص ــ 79 ) . قارون خرج على قومه في هذه الزينة اراد ان يستعرض قوته وطبعاً هذا الخروج خروج احتفال وأراد ان يسرق الأضواء .. ثم لاحظوا هنا جاء الابتلاء والافتتان : (( قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ )) هذا الذي عند قارون شيء مفخرة عندهم ولم يكتفوا بذلك وانما نعتوه بنعت قالوا : (( إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ )) . لاشك ... لا يخلوا الحال من بعض العقلاء سواء سمع الناس كلامهم أم لم يسمعوا ؛ لكن الإنسان عليه ان يبّين ويوضح ان هذا هو ليس مقدار القيمة ، (( وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الصَّابِرُونَ )) ( القصص ـــ 80 ) . لاحظ الخطاب اهل العلم لم يخاطبوا قارون لأن قارون لا يسمع الكلام بعد جمّع من الاموال ما وصلت الى اذنه فسدّت اذنه عن الحق .. لكن الكلام مع الذين يريدون ان يكونوا مثله عسى هذا الكلام ان ينفع ولا يكونوا مثل قارون . ليست هذه هي القيمة وإنما قيمة كل امرئ ما يُحسن وليس قيمة المرء ما يكنز .. اخواني المال قيمته في انفاقه وليست قيمته في كنزه .. فالاكتناز حالة سلبية .. ليست له قيمة المال الا بالإنفاق .. إذن هؤلاء افتتنوا بمجرد ان رأوا هذا السلطان عند قارون وتمنوا ان يؤتون مثلما اوتي قارون .. ونبههم اهل البصيرة والعلم والتقوى نبهوا هؤلاء : " ويلكم انتبهوا ان هذا شيء زائل " .. ماذا كانت النتيجة ؟! (( فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنْ المُنْتَصِرِينَ )) القصص ـــ 81 ) . الله تعالى للحظات الانسان عندما يتجبر وعندما يتكبر و يرى شأنية له كبيرة .. وترى الله تعالى فجأة يجعله في خبر كان .. قطعاً الله تعالى لا يريد ان يسلينا فقط في القصص كما يفعل القصاصون بل يريدنا ان ننتبه .. هذا الكيان الذي كان عند قارون وسحر اعين الناس بلحظة الله تعالى يقول خسفنا به وبداره الارض . (( وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (()) تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ )) القصص ( 82 ـــ83 ) . الانسان بعد ان يرى التجربة امامه ويرى بأم عينيه ما جرى او يصله الخبر من صادق مصدّق كأنه مُشاهد وهذه عبارة موجزة لنتيجة من يعتقد ما دام في الدنيا عليه ان يلتفت . (( وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ )) القصص ـــ 82 ) . لاحظوا ان اهل المال قد يفلحون لو أنفقوا في وجوه البر .. والانسان الذي الله تعالى يهبه مالا ً ويخرج من عهدة المال بإنفاقه فهنيئاً ثم هنيئاً في وجوه البر قطعاً ، ولا بر افضل مما ينفق الان عند الاخوة المقاتلين حتى نرى بلدنا طاهراً مطهراً من دنس جميع الدواعش والإرهابيين ، والحمد لله رب العالمين .