السبت ٢٣ تشرين الثاني ٢٠٢٤

(( الأدبُ صُورةُ العقل ْ )) الامام علي عليه السلام


تاريخ الاضافة:-2021-10-05 19:43:14 | عدد الزيارات: 1143

(( الأدبُ صُورةُ العقل ْ )) الامام علي عليه السلام
مُيز الإنسان بميزة لم تعطى لأحدٍ من المخلوقات التي تشاركه عالم الحياة ،
وهي ميزة العقل ؛ ويتفرع منها عدة صور وهي:_

(الإدراك ،التفكر، الإرادة ،العلم،المعرفة، التدبير،)

وكلها صفات لاتُرى ولكن الامام علي عليه السلام اوجزها بعبارة عظيمة :وهي أن الادب صورة فوتوغرافية للعقل مااعظم هذه الكلمة ! في معنى العميق وأرقى هذه العبارة؛ في إيجازها الملفت للنظر،من أمام البيان والبلاغة أمير المؤمنين ،ولكن دعونا نستقرأ بعض معانيها السامية ونسبر أغوار بحر بلاغتها فنقول :
إن لهذه الصور العقلية وغيرها تطبيقات كثيرة، إن أجتمعت في أحدٍ أصبح فيسلوفاً ،وإن ترسخت به  أضحى ولياً ؛وإن أرتقى اعمق احرز مقام النبوة، وإن 
تحققت في النفس واصبحت جزً من سلوكه وشيءمن صفاته  ،امسى عارفاً وصدّيقاً ،وكمثال على ذلك الإنسان الكامل هو النبي الاكرم محمد صلى الله عليه وآله

إذ أن الله اصطفى من خلقه النبي محمد ليكون مثالاً حياوصادقاعن جمال صنعه، وهوصورة حقيقية لعظمة الله في خلقه ،فقد اعُطي النبي إمتيازاً خاصاً في الكمال النفسي لم يصل إليه أحد مطلقاً، وأوتيَ عقلاً شاملاً أدرك به الحقائق المطلقة من غيب واطلعه على ملكوته فضلا عن رؤيته لتجلي الله في ملكه في خلقه  ،وقلباً صالحاً اصطنعه الله له ليندك في معرفة الله حتى أستطاع أن يصل إلى مقام لم ولن يصل إليه مخلوق او وجود محض وهو مقام قاب قوسين أو أدنى ، ويتجرد عن الموجودات بعينه الغيبية ،ويستشعر كوامن الغيب بما هو وراء حواسه الخمسة،ويدرك عظمة الله بعينه الثالثة وهي البصيرة،إن النبي  الاعظم محمد صلى الله عليه وآله هو المظهر الحق عن صفات الله وجماله، الذي لاتدركه الحواس ولا تفقهه العقول ،ولاتحيط به الأفكار ،مهما كانت نقية صافية، ولا تُلهمَ لأدراكه القلوب مهما كانت صافية،وأسُبلت عليه صفة الرحمة التي اسبغهاالله لرسوله وعبده المخلص محمد المصطفى عليه واله الصلاة والسلام، والتي أدخرها الله لنفسه إذا يقول في كتابه الكريم ((كتب على نفسه الرحمة )) سورة الانعام اية 54 وقال في حديثه القدسي :
(لقد سبقت رحمتي غضبي).

لقد أوجد الله خلقه جميعا لغاية عظيمة، وهي لكي يُعرف من بقية الخلق، كما ورد عن الامام الصادق يصف الله تعالى بحديثه القدسي : ((كنت كنزاً مخفيا فأردت أن أُعرف فخلقت الخلق )).
أن الله تعالى ليس  في حاجة لعبادة الخلق ، لانه هوالغني الحميد كما وصف نفسه تعالى ،ولكنه خلق الكون ليصل بالخلق إلى مقام معرفته سبحانه ،وهي ارتقاء الابشر الى مرتبة عالية من التخلق بصفات واخلاق الله العليا ، وبصفاته الجمالية من فكر ومعرفة وجمال وصدق ونقاء ورحمة وغيرها الكثير،وكل هذه الخصال  جمعت في نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وآله.
أنه  صلى الله عليه وآله المثال الإلهي الحق وعلى الناس من خلاله معرفة الله والوصول على عبادته الصادقة ،ان النبي  محمد بن عبدالله وهو خاتم المرسلين ارسله الله ليكون مصدقا لكل الانبياء والمرسلين الذين سبقوه وبشروا بظهوره المقدس ،وليكون المظهر اللائق الدال الى الله،
وان البشرية ستتكامل وتحاول الى الوصول الى ارقى الكمالات وعندما تصل الى النهاية ستجد انه صلوات الله وسلامه عليه وآله امامها وهوالحبل الذي يربط بين العباد وخالقهم والوسيلة للوصول اليه ،وانه لم يعرفه الى الان سوى المُخلَصّين من عباده،وهم آله الطاهرين عليهم السلام . وبعض من سار على نهجهم من المؤمنون .

قال إبليس عليه اللعنة يخاطب الله تعالى بعدما ُطرد من منزلته بين الملائكة وأصبح رجيما منبوذا شيطان وظهرت حقيقة نفسه الأنانية والمغرورة ،امام الملائكة ، ( فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المُخلَصين)
وقال ايضا(لأقعدن لهم صراطك المستقيم))
ماذا يريد ابليس بتحديه لله بهذا القول ؟

أنه يخبرنا بأمر غاب عنا وهو  :أن الخلق اجمعين، لايخرجون من دائرة اغواءه الأ المُخلَصين من عباده لايطالهم الاغراء، فهم في روض رحمة الله ينعّمون وباللهِ عارفون وبعبادتهِ صادقون .لايأتيهم الباطل من بين أيديهم ولامن خلفهم ،
وهم خالصة خلقه من انبياء ورسل وأولياء .
أما الأغلبية فهم مرتهنون بإطاعة ابليس ومنزلقون بأغواءه.
وسيكون ال محمد  هم الملجئ للمذنبين، وسفينةً لنجاتهم من تسويلات ووسائل الشيطان 
وأعوانه من الانس والجن أذا ما سعوا الى طلب الهداية، لينقذوهم من سفالة الجهالة وقاع الضلالة ،وليرتفعوا بهم إلى الله من خلال وجودهم بين الخلق ، ولينشروا معرفة الله بين الخلق اجمعين وليظهروا رحمة الله بين خلقه وليعرفوا الناس بما جهلوه عن الله وصفاته العليا، وكان النبي صلى الله عليه وآله المظهر الاجلى بين الخلق ليقوم بهذا الدور العظيم وتبعه آله الطاهرين في هذا المستوى الرفيع من التبليغ إلى الله والدعوة إلى عبادته وطاعته . فقال صلى الله عليه وآله: أدبني ربي فأحسن تأديبي .

وقال:أنما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق.
أنا أعلم أن أغلب الناس تدرك هذه المعاني العظيمة!!
ولكنها لم تتحقق في القلوب فيها لتكون مظهراً حقيقيا لله في الناس، فُكثرت فيهم الغواية وصُودرت منهم الكلمة الحقة واكتنفتهم الأهواء والبدع ،
أحبتي كل لفظٍ محسوب عليكم وكل فعل مؤاخذون به وكل خاطرة تحاسبون عليها .
فلنكن حذرين من هذه الدنيا وزخارفها وتسويلات الشيطان فيها .
لان هذه الدنيا عبارة عن طريق إن قُصرت مسافته أو طالت فإنها مدة يسيرة ،لم تعّدُ لتكون نهايتنا ،بل هي بداية طريق معرفتنا ،علينا أن نحرز منها الفضائل ونكثر فيها من المعارف ونزداد منها من المكارم ،حتى تكون لنا
 زاد  في الطريق إلى الله. قال تعالى (( أنك كادحٌ الى ربك كدحاً فملاقيه ))

فهل يرضى الله أن تحمل معك كذباً أو نفاقاً  كزادٍ في طريق الآخرة ؟!ام هل يرضى سبحانه أن يكون معك خداعاً تجهز به رحلتك إليه .؟
ام يرضى الله لنا أن نتعلق بغيره ونحن مسافرون إليه طلبا لمعرفته ورضاه ونيل رحمته وجنته؟
ألم يقل الله في كتابه العزيز ((يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين))
اذن؛الله يريد منا أن نسافر أليه بخالص متاعنا الطيب ليكون مقبولا عنده .
ألم تقرأوا ((عن قصة ابنيّ ادم اذقربا قربان فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الاخر )).؟
لمَ لمْ يتقبل قربان قابيل، وتقبل قربان هابيل ؟
الامر مذكور ومسطور في سيرتهم .
أنه رضي بقربان هابيل لانه كان تقيا عارفا لله ولم يتقبل من قابيل لانه كان حسوداً وحاقداً وكاذباً ..
فيا اخوتي الاعزاء ..بادروا إلى تدارك مافاتكم من غفلة عن طريق الله ومعرفته بكثرة الذكر لله كتابة ًفي منشور أو قول بمعروف ،او نصيحة تظهرها لأخيك ،وتناول الخيرات بيدك وشاركها لجميع أهلك ومقربيك حتى تنال عند الله رضوانا وتعد العدة للسفر إليه بقلبٍ سليم ونفسٍ مطمئنة بقدره وقضاءه،


أذن كلنا سائرون إلى الله ولكن علينا أن نحمل بضاعة قيمة يرضاها الله منا وهي حبه في قلوبنا، وحب نبيه واله زاد لنا، وطاعة الله في سلوكنا ، وتعاملاتنا مع الناس، لنظفر بجنته وهي أعظم جوائز الله لنا. إذ يقول الله ((ورضوان من الله اكبر))وهي أعلى درجات القرب من الله تعالى.
اعظم الله لكم الاجر وأحسن لك العزاء والمواساة بمصاب سيدي ومولاي أبا القاسم محمد المصطفى ونبي الرحمة ومظهر عظمة الله وقدرته في خلقه بذكرى استشهاده العظيمة رزء فقده الاعظم صلى الله عليه وآله.. مسموماً!!

 

بقلم: حسين آل جعفر الحسيني