علي الخفاجي.
قد تلتقي-أحياناً- بإنسان يغلب على ملامحه الصمت، وقد لايبوح بما في داخله إلا إذا استنطقته، فإذا طلب منك لايطلب إلا اضطراراً، وإذا أودعت عنده أعزَّ الأشياء، لم ينم ليله حتى يردَّ لك الوديعة، فتشعر حينئذ أنَّ مَن أمامك يحمل مشاعر صادقة، وإذا بدأ بالحديث معك، تجده يقف في نصف المسافة، وتخنقه العبرات، فتعرف من خلالها أنه يحكي قصة وتجربة مرَّت في حياته، فيجعلك تنتظر ساعة ليعود بعدها للحديث باسترسال.
ما رأيناه من بعيد لم تكن خيمة كبقية الخيم، فهناك ما يميزها عن الأخريات..
كانت خيمة بسيطة، وعلى بابها شخص يوزع الماء على الزائرين، وكأنه لم يجد شيئاً أطيب منه، ولعلَّه -حينها- كان مستحضراً عطش عيال الحسين عليه السلام.
(أحمد مجيد عبد السادة)رجل في السادسة والثلاثين من عمره، وبسبب قرب سكنه من طريق ياحسين في إحدى مداخل كربلاء، لاحظنا في قدميه عَوَق، جعل منه يعالج مشيته وهو يستقبلنا، فألقينا عليه التحية، وردَّها باستحياء، يقول: رغم إعاقتي، لكنني لم أتهاون في نصب هذه الخيمة، ففي الغالب أقوم بتشييدها ورعايتها بنفسي، فبعد أن كنت أستقبل زوار سيدي أبي عبد الله الحسين عليه السلام من دول مختلفة، من بعد سقوط الطاغية الذي كان يمنع المسير إلى كربلاء في الأربعين، ومن يومها لم أنقطع عن استقبالهم، وقد وفقت في العامين الأخيرين لخدمتهم في هذه الخيمة المتواضعة ليلاً ونهاراً، واخترت لها اسم(أنصار الزهراء عليها السلام)لاأبتغي من ذلك سوى أن يرضى عني سيدي، ويكون شفيعاً لي، فبرضاه يرضى عني ربي، أليس هم من يقول(رضا الله رضانا أهل البيت)؟
أليس هم مَن توسلتُ بهم إلى الله أن يرزقني الذرية بعد موت ثلاثة أطفال، وقد تحقق أملي، ولله الحمد ووهبني الآن طفلين.
تكلم أحمد بتلك الكلمات، وما إن ذكر ذلك حتى اختنق بعبرته، ونحن أمام ذلك ختمنا حديثنا معه؛ ليستريح، أو ليستمر في استقبال الزائرين وتقديم الخدمة لهم، وتركناه يلهج بالشكر لله تعالى على مارزقه من هذه النعمة، داعياً أن يرفع الوباء عن جميع الناس، وأن لايحرمهم المسير في(طريق ياحسين).
متابعة: كرار المحنا
مراسل:عبد الله الشيباوي
تصوير:علي السلامي