((مؤمن الطاق))
محمد بن علي بن النعمان البَجَلي الشهير بـمؤمن الطاق أحد أصحاب الإمام الصادق ، فقيه ومتكلم، عُرف بمناظراته مع الطوائف الأخرى، وله مناظرات كثيرة مع أبي حنيفة كان يعمل صيرفياً، توفي بعد الإمام الكاظم سنة 183 .
اسمه ونسبه :
محمد بن علي بن النعمان بن أبي طريفة البَجَلي الكوفي.[1]
ويسُمى محمد بن النعمان، نسبه إلى جدّه.
مولى بَجلة، إحدى القبائل العربية في الكوفة.
كان صيرفياً ـ بإجماع مَن ترجموا له ـ .
كنيته وألقابه:
يُكنى بأبي جعفر.
ويعرف بألقاب عدة:
معنى الطاق :
لغة
قال الفراهيدي : الطاق: عقد البناء حيث ما كان.[9]
قال الجوهري: الطاق: ما عُطف من الأبنية، والجمع الطاقات والطيقان، فارسيٌ مُعَرّب.[10]
محلة الطاق ودلالات اسمها:
قال الحموي: باب الطاق: محلةٌ كبيرة ببغداد بالجانب الشرقي تعرف بـ(طاق أسماء).[11]
قال الجوهري: وبابُ الطَّاق: مَحَلَّةٌ أخرى كبيرة بالجانب الشرقي ببغداد، نُسب إليها جماعة من المُحَدِّثين والأَشْراف.[12]
وهناك محلة في الكوفة تُسمى بـ(طاق المحامل)، كن محمد بن النعمان يعمل فيها.
مهنته:
كان يعمل صيرفياً يُرجع إليه في النقد، وكان دكانه في طاق المحامل بالكوفة.[13]، العلامة الحلي، خلاصة الأقوال، ص 138 برقم 11. ،[14]
وقيل في سبب تسميته: إنه نسبةً إلى سوقٍ في طاق المحامل بالكوفة كان يجلس للصرف بها.[15]
لماذاسميَّ شيطان الطاق؟
قال الشيخ الكشي : لقّبه الناس شيطان الطاق؛ وذلك أنهم شكّوا في درهم فعرضوه عليه، فقال لهم: ستوق (ـ بفتح السين وضمّها ـ : المغشوش المزيّف)،[16] فقالوا: ما هو إلا شيطان الطاق.[17]
ويقال: إن أول من لقبه شيطان الطاق أبو حنيفة.[18] ناظر هو و سفيان الثوري فغلبهما، فقالا له: هذا شيطان الطاق.[19][20][21]
ذكرمن عاصرمن الأئمة (عليهم السلام):
ذكره النجاشي في أصحاب الإمام السجاد .[22]
وعدّه أيضاً في أصحاب الإمام الباقر أو من أدركه،[23] ومثله ابن شهر آشوب،[24] و البرقي [25]، وهذا هو رأي الشهرستاني، قال: وهو تلميذ الباقر محمد بن علي بن الحسين (رضي الله عنهم).[26]
وذكره غير واحد في أصحاب الإمام الصادق ،[27][28]، [29] ،[30] ،[31] ،[32]، وذكره ابن شهر آشوب في خواص الإمام .[33]
وذكره الشيخ،[34]و البرقي[35] في أصحاب الإمام الكاظم .
وجمع النوبختي بين هذه الأقوال كلها، فذهب إلى أنه أدرك الإمام السجاد ، وبعده عاصر الإمامين الباقر و الصادق (عليهما السلام) وبقي حتى زمن الإمام الكاظم (عليه السلام) وقال إنه ساق الإمامة إليه.[36]
مكانته العلمية:
كان له في العلم منزلة عالية [37]، فكان فقيها مناظراً[38]، لا يُشقُّ له غبار [39]، متكلماً حاذقاً [40]، [41]، وكان من الفصحاء البلغاء، لا يُطاوَل في النّظر والجدال في الإمامة [42]، حاضر الجواب [43]، كثير العلم، حسن الخاطر [44] وإنّ منزلته في العلم وحُسن الخاطر أشهر من أن يُعرّف بها.[45]
وقد قال الشهرستاني: بأن محمد الباقر أفضى إليه أسراراً من أحواله وعلومه[46]
وقال ابن أبي طي: إن جعفر الصادق كان يقدّمه ويُثني عليه.[47]
تقييمه عند علماء الرجال:
اتّفق الجميع على توثيقه كما نصّ الشيخ [48]، [49] والعلاّمة [50] على هذا صريحاً، فإنّ روايات المدح في حقه ـ كما ستقرأ في مناظراته ـ متضافرة، بل إنّ فيها ما هو صحيح السند عند أئمة هذا الفن، مما يدل على عظمة الرجل وجلالته.
الروايات الواردة في حقه:
الروايات الذامة له:
زُبدة تلك الروايات روايتان عدّهما الكشي من الذامّة له إلاّ أنهما لا تعارضان ما تقدم من روايات المدح لما فيهما من ضعف السند [53] ،[54]:
الرواية الأولى: عن علي بن الحكم، عن فضيل بن عثمان، قال: دخلت على أبي عبد الله في جماعة من أصحابنا، فلما أجلسني قال: «ما فعل صاحب الطاق؟» . قلت: صالحٌ . قال: «أمَا إنّه بلَغني أنه جَدِلٌ، وأنه يتكلم في تَيْم قذرٌ؟» . قلت: أجل هو جَدِلٌ . قال: «أمَا إنه لو شاء ظريف من مخاصميه أن يخصمه فعل؟». قلت: كيف ذاك . فقال:
يقول: «أخبرني عن كلامك هذا، من كلام إمامك؟ فإن قال: نعم، كذب علينا، وإن قال: لا، قال له: كيف تتكلم بكلام لم يتكلم به إمامك!!» . ثم قال: «إنهم يتكلمون بكلام إن أنا أقررت به ورضيت به أقمت على الضلالة، وإن برئت منهم شقَّ علي، نحن قليل وعدونا كثير» . قلت: جُعلت فداك، فأُبلغه عنك ذلك؟ قال: «أَمَا إنهم قد دخلوا في أمر ما يمنعهم عن الرجوع عنه إلاّ الحميّة» . قال: فأبلغتُ أبا جعفر الأحول ذاك فقال: صدَقَ ـ بأبي وأمي ـ ما يمنعُني من الرجوع عنه إلاّ الحميّة.[55]
الرواية الثانية: عن المفضل بن عمر ، قال: قال لي أبو عبد الله : «ائت الأحول فمُره لا يتكلم». فأتيته في منزله، فأشرف عليَّ، فقلت له: يقول لك أبو عبد الله (عليه السلام) : «لا تكلم» . قال: فأخاف ألاّ أصبر.[56]
الروايات المادحة:
ويُدافع عنه الإمام في بعض الأحيان، وهذا نراه في رواية أبي خالد الكابلي قال رأيت أبا جعفر ـ صاحب الطاق ـ وهو قاعد في الروضة قد قطَع أهل المدينة أزراره وهو دائبٌ يُجيبهم ويسألونه، فدنوت منه فقلت: إنّ أبا عبد الله نهانا عن الكلام . فقال: أمركَ أنْ تقولَ لي؟ فقلت: لا، ولكنه أمرني أن لا أُكلم أحداً . قال: فاذهبْ فأَطعهُ فيما أمرك . فدخلتُ على أبي عبد الله فأخبرتُه بقصة ـ صاحب الطاق ـ وما قُلتُ له، وقوله لي "اذهب وأطعه فيما أمرك" ، فتبسم أبو عبد الله ، وقال: «يا أبا خالد، إن صاحب الطاق يُكلّم الناس فيطير وينقضُّ، وأنت إن قَصّوك لن تطير». [57]
عقيدته:
قال الذهبي: محمد بن النعمان الأحول، عراقي شيعي جَلِدٌ [58] متكلم، معتزلي، مبتدع.[59]
وقال الصفدي: كان معتزلياً.[60]
قال عنه الزركلي: من غلاة الشيعة [61]
واتهمه أحمد بن سهل البلخي [62] وابن الأثير[63]بالقول بالتشبيه.
ونفى عنه الشهرستاني تهمة التشبيه، قال: وما يحكى عنه من التشبيه فهو غير صحيح.[64]
وأما ابن تيمية فقد تخطى كل هذا ونسب إليه القول بالتجسيم ابن تيمية، )[65]
شعره وأدبه:
قيل: إن له شعراً كثيراً، فقد قيل لبشّار بن برد: ما أشعَرَك!!
فقال بشار: شيطان الطاق أشعر مني.[66]
أو قال: أشعر مني مؤمن الطاق... وذكر له أبياتاً حسنة.[67]
وهو القائل أيضاً[68]:
ولا تك في حب الأخلاء مفرطاً |
وإن أنت أبغضت البغيض فأجمل |
|
فإنك لا تدري متــى أنت مبغض |
صديقك أو تـــــــــعذر عدوك فاعقل |
وذكر له المرزباني الخراساني أبياتاً كثيرة.[69]
مصنفاته:
لم يقتصر مؤمن الطاق على المستوى اللفظي والمقالي في بيان ما لديه من علم ومعارف، فقد ترجم بعض ما لديه ليس على مستوى الرسائل والكتيّبات، بل هي مجموعة من الكتب التي تشكّل دائرة معارف ضخمة تمثل ترجمة علمية لحاصل أيام عمره. قال الشهرستاني: وقد صنف ابن النعمان كتباً جمةً للشيعة [70]، منها:
وفاته
اختُلف في تاريخ وفاته، ولكن يرى بعضهم أنه توفي في حدود 180 هـ أو بعدها [82] ،[83]،[84]، وقال المرزباني بأنه توفى في حياة الإمام الكاظم [85] ولعل هذا الرأي هو الأقرب.
وهناك أقوال أخرى: فقد قيل: توفي سنة 181 هـ.[86]
وقيل: سنة 184 هـ [87]، وقيل: سنة 186 هـ.[88]،[89]،[90]
وقيل: سنة 188 هـ.[91]
وبالغ بعضهم فقال: سنة 190 هـ [92].
وذهب آقا بزرگ الطهراني إلى أنه توفي سنة 199 هـ.[93]
وذهب آخرون إلى أنه تُوفّي سنة 160 هـ.[94]،[95] ،[96]
وهذه الأقوال باطلة؛ لأنّ المروي والمشهور في تاريخ وفاة الإمام الكاظم أنه توفي سنة 183 هـ [97] ،[98]، [99] ،[100] ،[101] ،[102]، كما أنه لم يّذكر أنه أدر الإمام الرضا .
مناظراته مع أبي حنيفة:
كانت له حكايات لطيفة مع أبي حنيفة ، منها:
قال له أبو حنيفة: بلغني عنكم معشر الشيعة شيء؟ فقال: فما هو؟ قال: بلغني أنّ الميّت منكم إذا مات كسرتم يده اليسرى لكي يعطي كتابه بيمينه، فقال: مكذوب علينا يا نعمان! ولكنّي بلغني عنكم معشر المرجئة أنّ الميّت منكم إذا مات قمعتم في دبره قمعاً فصببتم فيه جرة من ماء لكيلا يعطش يوم القيامة. فقال أبو حنيفة: مكذوب علينا وعليكم.[104]
قال له أبو حنيفة :يا أبا جعفر، تقول بالرجعة؟ فقال له: نعم، فقال له: أقرضني من كيسك هذا خمسمائة دينار، فإذا عدت أنا وأنت رددتها إليك، فقال له في الحال: أُريد ضميناً يضمن لي أنّك تعود إنساناً، فإنّي أخاف أن تعود قرداً فلا أتمكّن من استرجاع ما أخذت منّي.[105]
قال له أبو حنيفة: يا أبا جعفر، ما تقول في المتعة أتزعم أنّها حلال؟ قال: نعم، قال: فما يمنعك أن تأمر نساءك أن يستمتعن ويكتسبن عليك، فقال له أبو جعفر: ليس كلّ الصناعات يرغب فيها وإن كانت حلالاً، وللناس أقدار ومراتب يرفعون أقدارهم، ولكن ما تقول يا أبا حنيفة في النبيذ أتزعم أنّه حلال؟ فقال: نعم، قال: فما يمنعك أن تقعد نساءك في الحوانيت نبّاذات فيكتسبن عليك؟ فقال أبو حنيفة : واحدة بواحدة وسهمك أنفذ.
ثمّ قال له: يا أبا جعفر، إنّ الآية التي في سأل سائل تنطق بتحريم المتعة والرواية عن النبي قد جاءت بنسخها، فقال له أبو جعفر: يا أبا حنيفة، إنّ سورة سأل سائل مكّية وآية المتعة مدنية، وروايتك شاذّة ردية، فقال له أبو حنيفة : وآية الميراث أيضاً تنطق بنسخ المتعة، فقال أبو جعفر: قد ثبت النكاح بغير ميراث، قال أبو حنيفة: من أين قلت ذاك؟ فقال أبو جعفر: لو أنّ رجلاً من المسلمين تزوّج امرأة من أهل الكتاب ثمّ تُوفّي عنها ما تقول فيها؟ قال: لا ترث منه، قال: فقد ثبت النكاح بغير ميراث ثمّ افترقا.[106]
قال له أبو حنيفة : لِم لَم يطالب علي بن أبي طالب بحقّه بعد وفاة رسول الله إن كان له حق؟ فأجابه مؤمن الطاق: خاف أن يقتله الجن كما قتلوا سعد بن عبادة بسهم المغيرة بن شعبة وفي رواية خالد بن الوليد.[107]،[108]
ما كُتب حول شخصيته:
الهوامش
المصادر والمراجع
إعداد
حسين ال جعفر الحسيني