موقع زرارة العلمي
قال الكشي في كتابه الرجالي في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي جعفر الباقر عليه السلام، وأبي عبد اللَّه الصادق عليه السلام: اجتمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأولين من أصحاب أبي جعفر وأصحاب أبي عبد اللَّه عليهما السلام، وانقادوا لهم بالفقه، فقالوا: أفقه الأولين: زرارة ومعروف بن خربوذ وبريد وأبو بصير الأسدي والفضيل بن يسار ومحمد بن مسلم الطائفي. قالوا: وأفقه الستة زرارة(9). وعن جميل بن درَّاج (أحد أصحاب الإمام الصادق عليه السلام): قال: أي واللَّه، ما كنا حول زرارة بن أعين إلا بمنزلة الصبيان في الكتَّاب حول المعلم(10). وتدليلاً على أهمية موقع زرارة الفقهي والحديثي ورد عن الصادق عليه السلام في الخبر الموثق أنه قال: "رحم اللَّه زرارة، لولا زرارة ونظراؤه لاندرست أحاديث أبي عليه السلام"(11). ومثله ما جاء في الصحيح عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "ما أجد أحداً أحيى ذكرنا وأحاديث أبي عليه السلام إلا زرارة وأبو بصير المرادي ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية العجلي، ولولا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا، هؤلاء حفاظ الدين وأمناء أبي عليه السلام على حلال اللَّه وحرامه، وهم السابقون إلينا في الدنيا والسابقون إلينا في الآخرة"(12). ومن خلال بعض الأحاديث الأخرى الواردة عنهم عليهم السلام يمكننا ملاحظة بعض الأمور التي تسلط الضوء على شخصية زرارة العلمية:
1 حرص زرارة واهتمامه الكبير بنقل الحديث، بحيث أنه كان يستصحب معه ألواحاً ليكتب ما يقوله الإمام الصادق عليه السلام.
2- لم يكتفِ زرارة بنقل الأحاديث بل كان يحرص على فهم الحديث ورعايته والتفقه به والجمع بين مداليله.
3- تسليمه لأمر الإمام الصادق عليه السلام فيما يقول وعدم إبداء المعارضة له، وهذا يعود لجهة إدراكه العميق لما عليه إمامه من العلم والإحاطة بحيث أنه يجلس معه جلسة المستفيد والمتعلم ولا يتخطى ذلك.
4- اهتمام الإمام الصادق عليه السلام بأمره وعنايته الخاصة به.
زرارة الفقيه والمحدِّث:
لا شك بأن زرارة هو واحد من كبار الرجالات الناشرين والمتهمين في إظهار فقه أهل البيت عليهم السلام فرواياته تحتل مكان الصدارة عند الفقهاء وإليها يرجعون في استنباطهم للأحكام الشرعية، ونحن إذا ألقينا نظرة على أبواب الفقه من العبادات والمعاملات والأحكام لوجدنا أن روايات زرارة قد شملت جميع هذه الأبواب. فقد روى عن الإمام الباقر عليه السلام ألفاً ومئتين وستة وثلاثين مورداً، كما أن رواياته عن الإمام الصادق عليه السلام تبلغ أربعمئة وتسعة وأربعين مورداً(13). وقد مرَّ معنا كيف أن الإمام الصادق عليه السلام كان يمتدح زرارة ويعتز به لأنه من كبار العلماء والفقهاء الذين تلمّذوا عليه وعلى أبيه الباقر عليه السلام. ويُذكر أنه كان مرجعاً في عصره لتمييز صحيح الروايات عن سقيمها(14). ومن هنا، كان الإمام الصادق عليه السلام يوجه الناس إليه، فقد جاء في بعض الروايات أن الإمام الصادق عليه السلام قال لمن سأله حول اختلاف الحديث: "إذا أردت حديثنا فعليك بهذا الجالس" وأشار إلى زرارة(15). ومن أراد الوقوف على نماذج من فتاواه الفقهية فعليه الرجوع إلى كتب الحديث كوسائل الشيعة حيث يجد له فتاوى تتعلق بالإرث وموجباته كالعول(16) والكلالة
وقفة مع آرائه الكلامية:
إن لزرارة مكانة عالية في علم الكلام، حتى أن الكتاب الوصية الذي ذكره له المؤرخون على ذكره هو كتاب كلامي(17) وهذا ما يتضح من خلال عنوانه (الاستطاعة والجبر)(18)، ومن الملاحظ من عنوان هذا المصنف أن زرارة قد تطرق إلى مشكلة أساسية أثارت حراكاً فكرياً معمقاً وفرضت نفسها آنذاك حيث شغلت الفكر الكلامي الإسلامي وهي تتعلق بموقف الإسلام من مسألة حرية الإرادة الإنسانية، فهل الإنسان مجبر كما ذهب إلى ذلك طائفة من المسلمين أم أنه مخير كما هي مقولة المعتزلة، أم أنه لا مجبر ولا مفوض وإنما هو في أمر بين أمرين على حد تعبير الإمام الصادق عليه السلام(19). ولا شك أن زرارة في هذه المسألة كما في سواها يلتزم ما يسمعه عن الإمام الصادق عليه السلام وبخاصة كون هذه النظرية للإمام كانت من الوضوح بحيث لا يتطرق إليها أي وهم أو لبس.
زرارة الشاعر:
يُنسب لزرارة أبيات من الشعر في علامات ظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه حيث يقول:
فتلك علامات تجيء لوقتها>> <<ومالك عما قدَّر اللَّه مذهب
ولولا البدا سميته غير فائت >><<ونعت البدا نعت لمن يتقلب
ولولا البدا ما كان ثم تصرف<< >>وكان كنار حرفها يتلهب
وكان كنور مشرق في طبيعة<< >>وباللَّه عن ذكر الطبائع مرغب
>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>
وقد وردت روايات عن الإمام الصادق عليه السلام تذم زرارة وتلعنه وقد صدرت منه تقية للمحافظة على زرارة من السلطة العباسية في عهد المنصور الدوانيقي، الذي حارب وطارد اتباع الامام الصادق (عليه السلام)في تلك الحقبة. قال عبد الله بن زرارة (20 )قال لي أبو عبد الله عليه السلام اقرأ مني على والدك السلام وقل له إني إنما أعيبك دفاعا مني عنك فان الناس والعدو يسارعون إلى كل من قربناه وحمدنا مكانه لادخال الاذى في من نحبه وقتله ويحمدون كل من عبناه وإنما أعيبك لانك قد اشتهرت بنا ولميلك إلينا وأنت في ذلك مذموم عند الناس غير محمود الاثر بمودتك لنا فأحببت ان أعيبك ليحمدوا أمرك في الدين ويكون بذلك دافع شرهم عنك .
المصادر والمراجع في ( زرارة ابن اعين)
(1) حول آل أعين: رجال السيد بحر العلوم المعروف بـ(الفوائد الرجالية)، محمد مهدي بحر العلوم، ج1، ص257 222.
(2 (رجال الكشي)، محمد بن الحسن الطوسي، ج1، حديث 208، ص345.
(3) مجمع الرجال، القهبائي، تعليق العلامة الأصفهاني، مؤسسة إسماعيليات، قم، ج3، هامش رقم (7)، ص25.
(4)الفهرست، محمد بن الحسن الطوسي، منشورات الشريف الرضي، ص74.
(5) رجال السيد بحر العلوم، ج1، ص232.
(6) رجال النجاشي، النجاشي، ج1، ص398.
(7) رجال الكشي، ج1، ص354.
(8) رجال السيد بحر العلوم، ج1، ص233.
(9) معجم رجال الحديث، أبو القاسم الخوئي، ج7، ص219. وقال بعضهم مكان أبو بصير الأسدي: أبو بصير الأسدي ليث البختري المصدر نفسه، ص220.
(10) رجال الكشي، ج1، حديث 213، ص346.
(11) المصدر نفسه، حديث 217، ص348.
(12) المصدر نفسه، حديث 219، ص348.
(13) موسوعة طبقات الفقهاء، اللجنة العلمية في مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام إشراف: جعفر السبحاني، ج2، ص208.
(14) تاريخ الفقه الإسلامي وأدواره، جعفر السبحاني، ص195.
(15) موسوعة طبقات الفقهاء، ج2، ص209.
(16) وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج17، حديث 1، ص425.
(17) المصدر نفسه، حديث 8، ص428.
(18)انظر حول معنى الاستطاعة: شرح المصطلحات الكلامية، إعداد: قسم الكلام في مجمع البحوث الإسلامية، ص19.
(19)انظر: تطور المباني الفكرية للتشيع في القرون الثلاثة الأولى، حسين المدرسي الطباطبائي، ص174.
(20) أعيان الشيعة، ج10، ص384.
البحث اعده حسين الحسيني