الأحد ٢٤ تشرين الثاني ٢٠٢٤

الخطبة الثانية لصلاة الجمعة بإمامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في 9/جمادي الآخرة/1440هـ الموافق 15 /2 /2019م :


تاريخ الاضافة:-2019-12-23 13:39:29 | عدد الزيارات: 1305

ايها الاخوة والاخوات.. نتعرض في الخطبة الثانية الى دروس تربوية نحتاج اليها في تصحيح مسارات الحياة، ومن جملة هذه الدروس التربوية التي يحتاجها الفرد والمجتمع هي مبدأ وثقافة النقد البنّاء النقد الموضوعي والتقييم الموضوعي للآخرين في مقابل النقد السلبي و النقد الهدّام.. ايها الاخوة والاخوات اودّ ان ابيّن بتعبيرنا الان كثيراً نعبر عن النقد الايجابي بالنصيحة الصادقة وبتعبير آخر التقييم الموضوعي لمسيرة الحياة للإنسان فرداً ومجتمعاً.. اخواني هذا المبدأ وهذه الثقافة نحتاج اليها احتياجاً مهماً وضرورياً ولاحظوا كيف غُيَّب عنّا هذا المبدأ وكيف نتعامل مع هذا المبدأ القرآني الذي اكدت عليه الآيات القرآنية والاحاديث الشريفة.. لنبين مدى أهمية هذا المبدأ وهذه الثقافة في حياتنا؟! أي مبدأ واي قيمة واي فِكر اذا استشعرنا اهمية وخطورة هذا المبدأ والثقافة في حياتنا والمعطيات الايجابية الكبيرة في حياتنا نتوجه اليه ونهتم به ونحاول ان نعمل به اما اذا لم نستشعر اهمية مثل هذه المبادئ والدروس والثقافة في حياتنا حينئذ لا نعيرها اهمية وعناية ونتعامل معها بسلبية بحيث نخسر معطيات وفوائد وثمار مثل هذه المبادئ والثقافات.. من المبادئ المهمة حاجتنا الضرورية الى ثقافة النقد الذاتي والنقد البنّاء والايجابي والتقييم ونلتفت الى ان هناك تقييم وتقويم فنحتاج الى التقييم الموضوعي.. من المعلوم ان البشر بصورة عامة عدا المعصوم كل انسان معرّض الى الخطأ ومعرّض الى الزلل والى الذنوب والى الاثام ومعرض الى الاخفاق والفشل في حياته فهو معرَّض الى الخطأ تارة في مجال عباداته وعلاقته مع الله تعالى وتارة في مسيرته الاخلاقية والسلوكية وتارة في ثقافاته وتارة في فِكره وتارة في مبادئه وعاداته وتقاليده.. جميع مجالات الحياة الانسان معرّض فيها الى الخطأ وتارة المشكلة خطأ صغير وتارة الخطأ كبير وتارة الخطأ يتعلق بالاخلاق وبالثقافة والسلوك والعلم وتارة الخطأ يتعرض له شخص بسيط وتارة الخطا يتعرض له شخص مهم في المجتمع وتارة الفرد يتعرض له كيان مجتمعي وغير ذلك من الكيانات التي يكون تأثير الخطأ فيها كبيراً على المجتمع.. لاحظوا هناك تنبيه من الآيات القرآنية والاحاديث الشريفة الى هذه الحقيقة البشرية.. طبيعة الانسان النقص والجهل وغلبة الهوى وغلبة الشهوات واستحواذ الشيطان والنزعات الشريرة كثير من العوامل في الطبيعة البشرية تجعل الانسان دائماً في عِرضة الى الخطأ والزلل والعثرات والتي قد تكون احياناً مهلكة للفرد والمجتمع اذا تراكمت ولم يجر تشخصيها ومعالجتها، الحديث يقول : (خير الخطائين التوابون). انت ايها الانسان مهما كُنت عدا المعصوم انت الان في معرض الخطأ والزلل وما هو الطريق لتصحيح هذه الخطأ طالما انا اتعرض دائماً الى الخطأ (وخير الخطائين التوابون) ونحن ليس حديثنا عن التوبة ولكن نريد ان نبيّن ان الكيان المجتمعي والمتجمع يتعرض كثيراً الى الخطأ ويحتاج ان يُنبّه بصورة دائمية وان يجري تعريف هذا الانسان او الكيان المجتمعي بأخطاءه وزلاته وعثراته واخفاقاته وفشله حتى يستطيع ان يُشخّص له الخطأ ثم بعد ذلك يجري التقويم حتى يلتفت ويُنبّه ولا يكون في غفلة من اجل ان يصحح هذا الخطأ والزلل والعثرات لأنها اذا بقيت وتراكمت قد تؤدي الى هلاك الفرد والمجتمع لذلك نحتاج الى التنبه الدائم وتارة كما قلنا خطأ اجتماعي خطأ اخلاقي خطأ ثقافي او فكري واحياناً خطأ على مستوى الفرد العادي واحياناً على مستوى الفرد المهم في المجتمع وتارة على مستوى مجتمع او كيان مجتمعي فالأخطاء تتفاوت والقاسم المشترك بينها اننا نحتاج دائماً الى ان ننبه على هذه الاخطاء ونشخصّها ونحاول ان نتدارك هذه الاخطاء والاخفاقات والفشل في حياتنا لأن تركها تتراكم سيؤدي الى هلاك الفرد والمجتمع. من هنا جاءت الايات القرانية الكريمة لتنبّه على هذه المسألة وانها مسألة ضرورية جداً ومهمة في حياة الفرد سواء كان في المجال العبادي او الاخلاقي او السلوكي او المجال الثقافي وغير ذلك من هذه الامور..، بتعبير آخر ان الانسان والمجتمع بحاجة دائماً الى المراجعة مراجعة مسيرة الحياة في كل جوانبها يفتش ويفحص عن الخطأ والزلل والعثرات ويشخصّها بدقة ويحاول ان يضع الحلول لتدارك هذه الاخطاء ومعالجة هذه الاخطاء لأن لا تتراكم وتسبب مشاكل كبيرة على الفرد والمجتمع.. لننظر الايات القرانية والاحاديث الشريفة التي بينت اهمية هذا المبدأ وتطبيقه في حياتنا.. قال الله تبارك وتعالى : (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ). فالآية تتحدث عن ان المؤمن في حالة مراقبة لنفسه وفي حالة تنبّه دائمي وتذكّر لله تعالى فاذا وجد نفسه قد ظلم نفسه بمعصية لله تعالى او غيرها او ارتكب قبيحاً لجهل او غفلة او هوى وشهوة او خضوع لشيطان التفت وانتبه وندم ثم تدارك الخطأ والزلة وطلب العفو من الله تعالى فهذه من عناصر نقد الذات ومحاسبتها. وورد في الحديث : (ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم) فإن عمل حسناً حمد الله واستزاده وان عمل سوءاً استغفر الله. وعن امير المؤمنين (عليه السلام) : (حق على المسلم ان تكون له ساعة لا يشغلهُ عنها شاغل فيحاسب نفسه مما اكتسب في ليله ونهاره). فالإنسان لابد ان يشخص زلته وخطأه فيحاسب نفسه ويراجع سيرته وسلوكه وافعاله سواء في الامور الدينية او الدنيوية، وحينما يراجع الانسان سيقيّم واذا قيّم عليه او يقوّم افعاله وسلوكياته.. لاحظوا هناك نقدين او تقويمين هناك النقد الذاتي انا مع نفسي وتارة نقد الآخرين.. لاحظوا ان هذا المبدأ لابد ان تكون له احكام واخلاقيات وعادات حتى يؤتي ثماره وننتفع منهُ جميعاً وهذا ما نسميه بنّاء ومفيد ونافع واما في الغالب ان خرج عن مساره الصحيح واخلاقياته الصحيحة تحوّل الى معول هدم يهدم في شخصية الانسان وفي المجتمع ويحطم العلاقات ويحول علاقات المحبة والمودة والاحترام في المجتمع الى اواصر الحقد والبغض والحسد ويحطم كرامة الانسان ويوهّن من منزلته الاجتماعية ان خرج النقد لدى الانسان ولدى المجتمع عن مساره الصحيح واحكامه واخلاقياته وسنبين هذه الامور.. اخواني من الضروري ان الواحد مِنّا يتقبل ويستسيغ النقد والنصيحة من الاخرين، مشكلتنا ايها الاخوة ان غالبنا لا يتقبل النصيحة والنقد الايجابي البنّاء من الاخرين وهذه مشكلة اجتماعية واخلاقية وحتى فكرية حتى نقوّم مسيرنا لابد ان نستمع الى الاخرين وفق الاحكام والاخلاقيات التي بيّنها الاسلام في نقد الاخرين وفي سلوكهم وتصرفاتهم وغير ذلك من هذه الامور.. عن الامام الصادق (عليه السلام) : (لا يزال الانسان بخير ما كان له توفيق من الله عزوجل، وواعظ من نفسه وقبول ممن ينصحه). فالإنسان المؤمن يمكن ان يصحح مساره ويتدارك اخطاءه اذا كانت له نفس شفافة ومنصفة وواعية تتقبل النقد من الآخرين والنصيحة وتصلح أمرها.. اذ يلاحظ لدى الاغلب ان الانسان لا يتقبل ولا يرضى ان ينتقده الآخرون ولا يعتبر النقد تقويم وتصحيح وارشاد بل انتقاص منه وتوهين لشخصيته، فالبعض يتعالى عن قبول النصيحة والنقد الصحيح من الاخرين فهو يقول انا اعلى من هذا او اعلى من هؤلاء، هذا ما هو مستواه حتى ينصحني فانا لي منزلة من العلم والثقافة والوجاهة والمكانة ما يجعلني افضل من هذا الانسان الذي ينصحني احياناً الاعتداد بالنفس هذه مشكلة.. الانسان بطبعه يحب الثناء والمدح ويشعر بحالة الرضا عن النفس والنقد مُشعر بالنقص ولكن الانسان الذي له شفافية وله محبة للوصول الى الكمال والارتقاء ومعالجة الاخطاء والسلبيات ليس كذلك انما يستمع لنصائح الاخرين ومواعظهم مهما كانت منزلته بشرط ان يكون النقد والنصيحة في موضعها وصحيحة ودقيقة.. عن امير المؤمنين (عليه السلام) : (ليكن آثر الناس عليك من اهدى اليك عيبك واعانك على نفسك). افضل واحد اقدمه واؤثره على الاخرين الذي يأتي ويقول لي هذا العمل الذي تعمله هذا خطأ ويبين لي مع الاسلوب الصحيح ويبين لي زلتي وعثرتي هذا افضله على غيره ممن يتملق ويتزلّف لي ويريد ان يُظهر الرضا والقبول. ما هي عناصر ومقومات النقد الايجابي؟ الكثير مِنّا لا يحسن اداء المقومات والاركان الاساسية للنقد والنصيحة البناءَة وسأُعطي بعض هذه المقومات المهمة التي هي مفقودة في كثير من الاحيان: 1- اتباع الاسلوب الحكيم والاسلوب الذي ينفذ من خلاله الناقد الى قلب (المُنتَقَد) بأن يذكر بعض ايجابياته ثم يشير الى الخطأ الذي ارتكبه دون تجريح شخص او اهانة كما حصل من ارشاد بعض المعصومين (عليهم السلام) لأحد اصحابه حيث يقول له : (كل شيء فيك حسن جميل إلا الأمر الفلاني). 2- اختيار المكان المناسب والوقت المناسب بحيث لا يحصل النقد بحضور اشخاص يستحي الشخص المُنتَقَد ان يظهر عيبه او خطأه امامهم او يكون مثاراً للسخرية منه او اهانته فانه حينئذ قد تثور ثائرته وينكر الامر ويتعصب مما يولد مشكلة اخرى.. 3- ان لا يكون جارحاً ولا منتقصاً من كرامة الانسان وسبباً لايذائه فإن المُنتَقِد قد يريد النصيحة والخير ولكن ينقلب فعله الى إثم ومعصية وبذلك لا يحقق اثره.. 4- ان نتعلم اخلاقيات النقد فنتعلم كيف ننقد الكبير والصغير والمثقف والعالم والجاهل والوجيه وغيره فالنقد لا يعني التهتك والانتهاك لكرامة الانسان والتعدي على مكانته الاجتماعية ولقد سمعنا وقرأنا عن قصة سبطي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الحسن والحسين عليهما السلام عندما رأيا شيخاً عجوزاً لا يحسن الوضوء فأرادا ان يعلمانه وهما صغيران فلا يحسن ان يقولا له مباشرة بانك على خطأ ونحن على صواب فابتكرا طريقة اخلاقية رائعة وحكيمة لتنبيه العجوز الى خطأه في طريقة الوضوء فسألاه ان يحكم بينهما أيهما يتوضأ أفضل من صاحبه ولما رآهما العجوز يتوضآن قال لهما : (بأبي انتما وامي، كلاكما توضأ بصورة صحيحة أما انا فلم احسن الوضوء وها انا ذا قد تعلمت منكما). فهذا الرجل الكبير تقبّل من الامامين عليهما السلام بهذا الاسلوب الحكيم والاخلاقي وهذه هي النتيجة المطلوبة.. نسأل الله تعالى ان يوفقنا لمراضيه، ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من امرنا رشداً والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين..