ايها الاخوة والاخوات ما زلنا في بيان منظومة التعايش الاجتماعي بين الاخوة في الدين.. نحن الذين تربطنا رابطة وعلاقة الايمان بالله تعالى... اقوى الروابط بين ابناء البشر واهمها هي رابطة الايمان بالله تعالى لأنها تمثل سر الوجود والغرض من خلق الله تعالى لخلقه لذلك اصبحت من اهم العرى والروابط التي لابد من ان يوضع لها نظام في العلاقات وطبيعة الاواصر ومتى ما سار عليها الانسان أمكن ان نقول انه قد دخل في ولاية الله تعالى ورسوله والائمة الاطهار ودخل في ولاية الايمان، وقد اطرّها النظام الاسلامي بنظام الحقوق كما بيّنا سابقاً هذه العلاقات الاجتماعية اطرّها الاسلام بنظام الحقوق لأنه يريد ان يعطيها صفة الالزام والقوة وان من يفوتها يفوّت حق من الحقوق مطالب به.. فمن حق المؤمن ان يطالب اخيه المؤمن بأداء هذه العلاقة وهذه الاخلاق.. ما هي مبادئ العلاقات الاجتماعية وما هي الاخلاقيات وما هي نوع المعاشرة والاختلاط التي ينبغي نحن كمؤمنين فمن يدعي الايمان لابد ان يعكس هذا الايمان ولابد ان يكون صادقاً في نوع التعامل الاجتماعي والاخلاقي التي يتعاطى بها مع الاخرين.. نذكر هنا اساسيات هذه الاخلاق والعلاقات بيننا ولينظر كل انسان منّا ويعرض نفسه على هذه الاخلاق كم يملك منها ويختبر نفسه؟ وسنذكر هنا الاساسيات ولا نخوض في الفروع الكثيرة التي وردت في احاديث الائمة عليهم السلام.. نذكر هنا خمساً من هذه الاساسيات على رأسها: 1- حفظ الشخصية الاعتبارية للمؤمن: كما ان الاسلام حرص على ان يحفظ حياة المؤمن وحرص على السلامة الجسدية ايضاً حرص على سلامة الشخصية المعنوية للمؤمن ويتمثل ذلك في مجموعة من الامور فهذا الانسان المؤمن طالما دخلت معه في ولاية الايمان ينبغي عليَّ ان احترمه و ان احفظ كرامته وان اصون شخصيته من ان تتعرض الى الاذلال والتحقير وسوء الظن وايقاعه في دائرة الشكوك والشبهات.. المؤمن له شخصية اعتباره باعتبار الايمان هذه الشخصية الاعتبارية اراد الله تعالى ان تُصان وتحفظ كما تحفظ حياة الانسان وسلامته الجسدية.. وطبعاً هنا الاحترام والاجلال له مراتب بين المؤمنين.. يعني تارة انسان يملك مرتبة عادية من الايمان وتارة انسان يملك مرتبة عالية من التقوى والورع والعلم. وتارة انسان له مقام مهني واجتماعي وعلمي هذه المقامات والمراتب الدينية العلمية الاجتماعية المهنية ينبغي ان تؤخذ حقها بحسب مرتبتها من الاحترام والاجلال.. مثلا ً الانسان الذي له رصيد من العلم والتقوى ينبغي ان يكرُم وتحفظ شخصيته من الاذلال والتحقير اكثر من غيرها.. الشخص الذي له مقام اجتماعي او مقام اُسري.. الاب يجب ان يُحترم اكثر من الاخرين، الام يجب ان تُحترم وتُجل وتكرّم اكثر من بقية الاسرة..الاخ الصغير مع اخيه الكبير، الاخت الصغيرة مع اختها الكبيرة يجب ان تحترمها وتجلّها وتحفظ شخصيتها من التوهين والاذلال والاحتقار والازدراء والاستهانة وغير ذلك من هذه المفردات التي تنتهك بها شخصية هذا الانسان.. الذي له مقام علمي ومهني الاستاذ في الجامعة والعلم والمدرس والطبيب والذي له حِرَفٌ ومهن يخدم بها المجتمع اكثر ويساهم في خدمة ابناء المجتمع ينبغي ان يُجل ويحترم وتحفظ كرامته وتُصان اكثر من الاخرين.. ايضاً في نفس الوقت لا اُعرض هذه الشخصية الاعتبارية المهمة التي لها مقام الصون والاجلال والكرامة عند الله تعالى ان اعرّضها الى الهتك.. اما اُذله او اهينه او احتقره او استهين بقدره وشأنه عند المجتمع او اعرضه الى الاتهام والشكوك من دون دليل.. ان اتواضع له ولا اتكبر عليه ان اوسّع له في المجلس حينما اكون معه في مكان عام.. فحينما يكون الانسان في مكان عام ينبغي ان اظهر الاحترام والاجلال لكبير السن وصاحب الشيبة وللمعلم والمدرس والاستاذ والطبيب وصاحب المقام الاجتماعي وللاب والام في هذه الاماكن العامة.. مقتضى الايمان ان اظهر هذا الاجلال والاحترام و ان لا اعرّضه امام الاخرين للاستهزاء والسخرية والطعن في شخصيته.. لذلك ورد عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال: كان ابو جعفر يقول: (عظّموا اصحابكم ووقروهم ولا يتجهّم بعضكم بعضاً ولا تضارّوا ولا تحاسدوا وإياكم والبخل، كونوا عباد الله المخلصين). لذلك ينبغي الالتفات من الامور التي تتنافى مع الايمان هو ان اسقّط شخصية هذا الانسان خصوصاً اخواني لاحظوا قبل ان تتقدم العلوم التقنية وتحصل وسائل التواصل الاجتماعي من الفيس بوك وغيرها.. ربما يحصل من هذا الانسان اذلال او توهين او تسقيط لشخصيته او احتقار له او ازدراء او غيبة او نميمة تسقيط له بينه وبين شخص آخر او بينه وبين مجموعة من الاشخاص.. ولكن الان حينما يكتب في صفحة ويقرأ هذه الصفحة الملايين او الالاف وقد سقّط شخصية هذا المؤمن بالاتهام او الافتراء او الطعن او كشف الاسرار وغير ذلك من الامور التي تؤدي الى قتل الشخصية الاعتبارية لهذا المؤمن.. وقد سقّط شخصيته الاجتماعية بحيث لم يبق لأخيه المؤمن قيمة واعتبار اجتماعي وفقد الكثير لدى افراد المجتمع بسبب هذا الافتراء او التشكيك او الطعون او غير ذلك.. لذلك ينبغي خصوصاً في الوقت الحاضر ان ينتبه الانسان حينما يكتب في موقع من مواقع الانترنت بهذه العناوين المتعددة وهي منتشرة وربما تصل الى عشرات الالاف هذا ادّى في الواقع الى قتل الاعتباري او قتل الشخصية الذي هو اشد من القتل الجسدي.. لذلك من من مقتضيات الايمان ان يكون هناك احتراماً وإجلال.. وننتبه اخواني مسألة التكافؤ.. الاسلام لمجرد الاشتراك في صفة الايمان اعطى اعتبار وقيمة عالية لذلك الانسان من هنا تحذّر الروايات من ان يستذل الانسان او يُحتقر او يوهّن لمجرد انه فقير او ليس لديه مقام اجتماعي او علمي و حذرت بعض الاحاديث الذي يُذل المؤمن فقد تصدّى لله تعالى بحربه.. لاحظوا اخواني كم هي قيمة المؤمن التفتوا خصوصاً في الوقت الحاضر هذه الوسائل الحديثة التي تنشر هذا التسقيط الاجتماعي احياناً وغيره.. ما اخطره واكبره عند الله تعالى.. عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (من استذّل عبدي المؤمن فقد بارزني بالمحاربة). وقال (عليه السلام): (من حقّر مؤمناً مسكيناً او غير مسكين لم يزل الله عزوجل حاقراً له ماقتاً حتى يرجع عن محقرته اياه). 2- ايضاً من اساسيات العلاقة الاجتماعية هي التراحم بين المؤمنين.. لاحظوا هناك عناوين مهمة اعطاها الاسلام قيمة اجتماعية كبيرة.. (وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين).. فقد يوجد في المجتمعات من الغلظة والخشونة والفضاضة اراد ان يبدلها بالرحمة في القلوب والتي تنعكس على التعامل الاجتماعي.. لاحظوا اخواني هناك رحمة اجتماعية وهناك رحمة نفسية.. اخواني انظروا الى قلوبكم دائماً.. فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والائمة الاطهار ارادوا الرحمة بيننا جميعاً وبيننا وبين الناس الاخرين وايضاً هناك رحمة خاصة لاصحاب الابتلاء والفقراء والمرضى والجرحى والفقير والمريض والمسكين ومن جملة الرحمة الخاصة رحمة الاب بابنه كم هناك من الاباء يحملون من القسوة العجيبة تجاه ابنائهم.. رحمة الطبيب بمريضه.. من اساسيات الايمان رحمة الطبيب بمريضه ورحمة المعلم والاستاذ بطالبه.. رحمة الغني بالفقير ورحمة العالم بالجاهل و رحمة الرئيس بالمرؤوس.. هذه الامور التي اكدّ عليها الاسلام.. ايها المؤمن اذا شاهدت مكروب وصاحب مصيبة وصاحب كرب وصاحب هم ساعده في ان يتخلص ويفرّج الله تعالى عن همّه وكربه ساعده بمقتضى الرحمة.. ان تساعده في ازالة هذا الكرب وتخفف عنه.. 3- التناصر والتعاون: ويمكن ان نفهم النصرة للمؤمن من الولاية المشتركة بينهما ومن جملة مفردات النصرة عدم تمكين العدو منه ومن ايذاء الاخرين له ونصيحته عند احتياجه خصوصاً اذا وقع الظلم او التجاوز على الاخرين.. ومن ذلك اذا كان صاحب حق وهو ضعيف لا يقوى على استرداد حقه انت بادر وعليك ان تنصره وتعينه حتى يسترد حقّه، ومنه اذا وقع تحت ظلم اجتماعي فتسعى لرفع الظلم والحيف عنه..فكثير ما نجد اخواني بنات وقعن تحت ظلم اجتماعي من الاب او الام او العشيرة او من قبل شخص آخر وهم لا يقوون على دفع الظلم او الحيف الاجتماعي عنهم وتسعى لرفع الظلم والحيف عنهم.. ومنه اذا كان في معرض النزاع مع اهل الباطل وكانوا على قوة ومنعة ومكنة فتنصره بلسانك وموقفك ولا تتركه وحيداً، و اذا كان هناك شخص يظلم شخصاً آخر او مجموعة اخرى وهو اما غير ملتفت او لا فيه عنجهية وتسلط وغرور وتكبّر انت بادر وبيّن له ان هذا ظلم.. ورد عن علي (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (من حق الاخ على اخاه وينصره ظالماً او مظلوماً، فأما نصرته ظالماً فيردُّه عن ظلمه، واما نصرته مظلوماً فيعينه على أخذ حقه). المحصلة ان من صفات المؤمن ان لا يكون لا ابالياً وغير مهتم ولا يكترث فليس من صفات الايمان ان يكون الانسان غير مبالي وغير مهتم ولا ينظر الى احوال الاخرين وما يعانون منه بل مقتضى الايمان ان يكون المؤمن صاحب همّ لهموم الاخرين ويسعى في نصرتهم واعانتهم والتعاون معهم اذ لا يستطيع أي انسان او أي مجموعة وبقية الامور المطلوبة لا يقوى لوحده لابد من الاستعانة بالاخرين فيبادروا الى ذلك الشخص او تلك المجموعة لاعانتهم ومساعدتهم في القيام بهذه الاعمال.. 4- التعامل برفق ولين: حينما تحصل مشكلة ونزاع اجتماعي ما هو الاسلوب الذي ينبغي للمؤمن ان يتبعه عليه ان يتبّع اسلوب اللين والرفق والحوار وهو ما دعا اليه الاسلام ويحاول ان يحل تلك المشكلة بهذا الاسلوب والسبب ان اسلوب اللين والرفق يدخل من خلاله الشخص الى قلب الاخر وينفتح قلب الاخر ويتقبل منه ويستطيع ان يحل المشكلة والنزاع اسرع.. العنف يؤدي الى مزيد من التعقيد والإشكال في ذلك النزاع وتتفاقم المشكلة ويصبح حل المشكلة اصعب.. فهناك رفق في نوع التعامل والعلاقة وهناك رفق في الامور الفكرية والتكليفية.. في الامور الفكرية يطرح عليهم ما تتحمله عقولهم وتنجذب اليه نفوسهم وتستوعبه طاقاتهم وامكاناتهم.. ومن ذلك الرفق واللين في الدعوة الى الله تعالى والامر بالمعروف والنهي عن المنكر.. 5- التواصل الاجتماعي في العلاقات وتجنّب التدابر والقطيعة والهجران: حث الاسلام كثيراً على ادامة العلاقات الاجتماعية بين المؤمنين والحفاظ على تماسكها وقوتها وعمل جاهداً على ابعاد المجتمع الايماني عن جميع الامور المؤدية الى ضعف وتفكك الاواصر الاجتماعية فيما بينهم حتى يقوى الكيان الاجتماعي الاسلامي على مواجهة التحديات والمصاعب الداخلية والخارجية.. ومن ذلك حثّه على التواصل الاجتماعي بين الافراد بالتزاور والتفقد بعضهم لبعض وعيادة مرضاهم وشهود جنائزهم والعفو بعضهم عن بعض والصفح عن المسيء والتآلف بين قلوبهم والابتعاد عن الهجران والتقاطع والتنازع والعداوة والحسد والبغضاء ونحو ذلك مما له دور خطير في تفكيك الاواصر الاجتماعية.. ولننظر ماذا يقول الامام الصادق (عليه السلام) في مقام النهي عن الهجران والتباعد والتقاطع بين المؤمنين: (لا يفترق رجلان على الهجران إلا استحق أحدهما البراءة واللعنة وربما استوجب ذلك كلاهما)، فقال له متعب: جعلني فداك هذا الظالم، فما بال المظلوم؟ قال: (لأنه لا يدعو أخاه الى صلته ولا يتعامس [أي لا يتغافل ولا يتجاهل] له عن كلامه..) نسأل الله تعالى ان يوفقنا لما فيه صلاح احوالنا وتآلف قلوبنا ونصرة مظلومنا وكشف الكرب عن مهمومنا انه سميع مجيب. حيدر عدنان