الأحد ٢٤ تشرين الثاني ٢٠٢٤

الخطبة الثانية لصلاة الجمعة بإمامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في ١/محرم/١٤۳۹هـ الموافق ۲۲ /۹ /۲٠١۷م :


تاريخ الاضافة:-2019-12-23 13:39:29 | عدد الزيارات: 1338

ها نحن ندخل موسم عاشوراء بكل ما يحمله من دلالات وممارسات تمثل الانتماء الى مدرسة ال البيت عليهم السلام والتي جسدت جوهر وكلية المسيرة المحمدية، كما ورد في الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (حسين مني وأنا من حسين). وقد عشنا هذا الموسم العاشورائي لسنين طوال فما هي المحصّلة التي كان ينبغي ان نخرج بها من خلال ممارستنا لشعائره والمشاركة في احزانه؟ وما هي تلك التغييرات الجوهرية التي يبحث عنها من يحمل روح الانتماء الصادق لمدرسة الامام الحسين (عليه السلام).. ايها الاخوة والاخوات المفجوعون بمصيبة سيد الشهداء (عليه السلام).. لا يكون يوم خروجكم من عاشوراء كيوم دخولكم.. ولا يكون خروجكم من شهري محرم الحرام وصفر الخير كيوم دخولكم في شهريكم هذا.. انظروا الى انفسكم وممارساتكم واعمالكم ومواقفكم كيف هي بعد ان تنتهوا من موسم عاشوراء.. هل اثرت ممارسة هذه الشعائر وهذه الاحزان وهذا البكاء على انفسنا وعلى مواقفنا.. سأذكر مجموعة من المبادئ التي لابد ان نترجمها التي نسمعها في مجالسنا ونقرأها في الكتب.. الذي يكون صادقاً في ولاءه وانتماءه للامام الحسين (عليه السلام) علامة صدقه ان يحوّل هذه المبادئ التي يسمعها في المجالس والتي يقرأها ان يحولها من مسموعات ومقروءات الى واقع حي متجسد في حياته..ان فعل ذلك كان صادقاً في بكاءه وكان صادقاً في حزنه للامام الحسين (عليه السلام) وان لم يفعل ذلك فما هو بصادق انما هي مجرد دعوى الولاء للامام الحسين (عليه السلام).. اذكر هنا بعض هذه المبادئ التي يجب ان نترجمها في حياتنا: اولا ً: تبني وممارسة العدل والاصلاح ورفض ومكافحة الظلم والفساد والجور: ولا ينحصر ذلك في مجال معين من مجالات الحياة ولا بشريحة معينة من شرائح المجتمع وان كانت تتأكد لدى بعض منها.. فيتأكد ذلك عند الحاكم والرئيس ومن يتولى امور أي مجموعة من الناس فظلمه وعسفه وجوره هو الاخطر والاشد فتكاً وجرماً وعدله الاكثر خيراً ونفعاً.. وهكذا رئيس العشيرة ورب العائلة ثم الفرد العادي في تعامله مع الاخرين.. ثم يعمم ليشمل الشعب والقوم مع بقية الشعوب والاقوام والعشيرة مع العشيرة والعائلة مع العائلة الاخرى.. واول مرتكزات النهضة الحسينية الحفاظ على ممارسة العدل والانصاف مع الجميع.. مع من تحب ومع من تكره ومع عائلتك ومع ارحامك وبني جنسك وهكذا.. فالانسان الحسيني الصادق هو الذي لا يظلم احداً طفلا ً او شاباً او كبيراً، عائلته او غيرها، عشيرته او شعبه، رجلا ً او امرأة، بل مع ما حوله من الكائنات.. ثانياً: صدق الولاء والانتماء العقدي: وهو يتمثل في صدق العقيدة في التوحيد والنبوة والامامة والمعاد الى ان يصل الى تفاصيل مبادئ النهضة الحسينية الممتدة عبر خط الامامة حتى يصل الى الامام المهدي (عليه السلام) فلا يصح الانتماء للحسين (عليه السلام) من دون صدق الانتماء لخط ورسالة جميع ائمة اهل البيت عليهم السلام وآخرهم الامام المهدي (عليه السلام) ولا يصح الانتماء له (عليه السلام) من دون الرجوع الى من امر بالرجوع اليهم من الفقهاء الصالحين والعلماء العاملين الزاهدين في الدنيا الراغبين في الاخرة، ولا يكون الرجوع اليهم من دون عمومية الاهتداء بهديهم في مختلف مجالات الحياة والاسترشاد بتوجيهاتهم في كافة ابتلاءات الفرد والامة كما اوصى بذلك الائمة عليهم السلام..فالتبعيض في ذلك يضر بصدق الانتماء الى خط ومدرسة اهل البيت عليهم السلام.. ثالثاً: مبدأ القبول بالقيادة الصالحة ورفض القيادة الفاسدة: ويتأكد ذلك في طبقة المتصدين للمواقع الاولى والمهمة في قيادة المجتمع.. فالإمام الحسين (عليه السلام) عبّر بقوله (عليه السلام): (ومثلي لا يبايع مثله).. بتعبير جامع للرفض التام والمقاطعة الكاملة للقيادة الفاسدة بكل اركانها سواء الدينية او الاجتماعية او السياسية.. معنى ذلك انكم ايها الحسينيون الصادقون أي قيادة فاسدة سواء أكان في مجال الدين او السياسة او التربية او في بقية المجالات عليكم بالرفض لهذه القيادة الفاسدة بل اكثر من ذلك عليكم ان لا تمكّنوا حتى مقدمات التمكين للفاسدين لا تعطوا مجال لحصول هذه المقدمات.. واسعوا بكل الوسائل ان تجعلوا هؤلاء يستحوذون على مقدرات الناس وعلى السلطة على الناس.. وطالما اوصت المرجعية الدينية العليا ان يكون هناك اختيار وان الانسان يختار الرجل الصالح النزيه الكفوء القادر على خدمة الناس اما الانسان الفاسد.. فلان سيكون سبباً في تعييني.. فلان سبباً في اعطائي هدية.. فلان من عشيرتي وفلان من منطقتي.. هذا مبدأ اعتماده في ايصال هؤلاء الى مواقع القيادة يتعارض مع صدق الانتماء للإمام الحسين (عليه السلام) ويتعارض مع مبدأ (مثلي لا يبايع مثله)..هذه الكلمات الثلاث تعني رفض لكل قيادة فاسدة في الدين او التربية او السياسة او المجالات الاخرى.. وفي نفس الوقت التمكين للصالحين والنزيهيين ان تكون مقدرات الامور بيدهم.. الرابع: تفعيل مبدأ الاصلاح والامر بالمعروف والنهي عن المنكر: تعرفون ان الامام الحسين (عليه السلام) من جملة المبادئ والاهداف التي خرج من اجلها هي ان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، هذا الواجب من اعظم الواجبات الدينية ان تركه الناس سُلّط الاشرار والفاسدين على مقدرّات امور الناس.. قد الانسان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يواجه مقاطعة ويواجه زعل من الاخرين ويواجه نفور من الاخرين..لا يكون ذلك سبباً لعدم القيام بهذا الواجب..طبعاً مع توفّر الشروط لذلك علينا ان نلتفت خصوصاً في المناطق المقدسة لا يقول الانسان هذا الامر لا يعنيني في داخل البيت في الشارع في السوق يعمل الانسان اذا كان حسينياً صادقاً بواجبه في النهي عن المنكر اذا رأى شيئاً من هذه الظواهر ويدعو الى الالتزام بالمعروف. الخامس: رعاية المبادئ الانسانية حتى في حال الحرب: نرجوا ان تتوقفوا عند موقف مسلم بن عقيل حيث كان بمقدور مسلم بن عقيل ان يقتل عبيد الله بن زياد بكل سهولة ولكن كان لديه مبدأ وقف حائلا ً امامه دون ان يفعل ذلك الفعل وهو انه ليس في الاسلام غدر وفتك حيث رفض العمل بمبدأ الغدر والفتك بعدوه مع ان ذلك كان سيجنبه القتل ويحقق له النصر العسكري، لاحظوا هذا الموقف خلّد مسلم بن عقيل واعطى لهذه الثورة مسيرتها الصحيحة، الاسلام ليس فيه غدر وفتك. وقد تجسّد ذلك لدى الامام الحسين (عليه السلام) واصحابه في جميع مراحل معركته مع الباطل حتى في اشد الظروف قساوة وبالرغم من ممارسات العدو الوحشية معه ومع اصحابه.. فنراه يسقي افراد عدوه وخيولهم الماء.. وهذه الثقافة كانت في مقابل ثقافة التوحش والغدر والهمجية لأعدائه (عليه السلام).. وقد عبر الامام الصادق (عليه السلام) في حديثه مخاطباً عمار بن ابي الاحوص: (اما علمت ان امارة بني امية كانت بالسيف والعسف والجور، وان امارتنا بالرفق والتآلف والوقار وحسن الخلطة والورع والاجتهاد، فرغّبوا الناس في دينكم وفيما انتم عليه).. (الخصال 354-355). السادس: ترويض النفس على الصبر والتحمل وعدم استعجال النتائج وترك الاحباط واليأس والجزع: ان نهضة الامام الحسين (عليه السلام) تعلّمنا ان النتائج قد لا تظهر في حياة الانسان بل قد تكون بعد جيل او اكثر وان العمل مع الصبر سيثمر النتائج المرجوة لا محالة.. ورد في الحديث: (لا يعدم الصبور الظفر وان طال به الزمان).. فلابد من تمرين النفس وترويضها على المصابرة والتحمّل لصعوبة الظروف وتحديات المرحلة وأذى الطريق ومن ذلك الحرب النفسية التي يمارسها العدو للنيل من معنويات المؤمنين.. وان لا يصيبنا الاحباط واليأس لتأخر النتيجة او الجزع من نوائب الدهر وتقلباته وفقد الاحبة والاعزة فإن قوام النجاح والظفر في معترك الحياة بكل زواياها سواء أكان في امور الدين او الدنيا هو الصبر بمراتبه المختلفة..