الأحد ٢٤ تشرين الثاني ٢٠٢٤

المرجعية العليا تتحدث عن حلول لمشكلة "الفقر" وتطالب بدعم النازحين والمقاتلين


تاريخ الاضافة:-2019-12-23 13:39:29 | عدد الزيارات: 1392

حذر ممثل المرجعية العليا، والمتولي الشرعي لحرم الإمام الحسين، عليه السلام، سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي من آثار مشكلة الفقر التي وصفها بـ "الخطيرة"، فيما هنأ أبناء الطائفة المسيحية بمناسبة قرب حلول العام الجديد. ودعا في الخطبة الثانية من صلاة يوم الجمعة التي أقيمت في الصحن الحسيني الشريف، إلى تثبيت قيم المحبة والتعايش السلمي المبني على رعاية الحقوق والاحترام المتبادل بين اتباع مختلف الاديان والمناهج الفكرية. وِشدد سماحته على ضرورة التجنب عن الإساءة إلى رموز الآخرين ومقدساتهم التي تؤدي بطبيعة الحال إلى خلق بيئة مناسبة للتوتر والصراع والعنف، على حد قوله. ورأى الكربلائي أن العراق وطن لجميع أبنائه على اختلاف أديانهم ومذاهبهم واتجاهاتهم الفكرية، داعياً إلى تمكين الجميع من حقهم في العيش فيه بأمن وكرامة. وحذر ممثل المرجعية من "إثارة النزاعات والصراعات وممارسة العنف لتحقيق مصالح سياسية او طائفية او مناطقية ضيقة". واعتبر أن العراقيين مروا بأعوام "مليئة بالآلام والمآسي" في إشارة إلى من تعرضوا للعمليات الإرهابية من المدنيين العزل وتهجير العديد من العوائل في مخيمات وسط ظروف قاسية جداً. طالب المتولي الشرعي من أسماهم بـ "المتمكنين مالياً" بان لا ينسوا "إخوانهم وأخواتهم في مخيمات النزوح وأن يوفروا لهم ما يخفف عنهم معاناتهم". ودعا أيضا "كافة المواطنين إلى الاستمرار بدعم وإسناد مقاتلينا الميامين في جبهات القتال حتى تحقيق النصر الكامل بإذن الله تعالى..". وأعرب ممثل المرجعية العليا عن أمله في أن تأخذ القوى السياسية "العظة والعبرة" بما فيه الكفاية من التجارب المرّة والأليمة والسابقة ويعملوا فيه من اجل عراق مستقر وآمن ومزدهر. إليكم النص الكامل للخطبة: الخطبة الثانية لصلاة الجمعة بإمامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في 30/ربيع الاول/1438هـ الموافق 30/12/2016م: الأمر الاول: نظام الانفاق في الاسلام قال تعالى: (وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11) – سورة المنافقون-. وورد في الحديث الشريف: (من أنفق نفقة في سبيل الله كتبت له سبعمائة، ولأن أول أهل بيت من المسلمين وأشبع جوعهم وأكسو عورتهم وأكف وجوههم عن الناس أحبُّ إليّ من أن أحج حجة وحجة وحجة). من جملة الانظمة التي قنّنها الاسلام وشرعها لمصالح تعود للفرد والمجتمع والكيان الاسلامي هو نظام الانفاق للمال فحث على البذل للمال وانفاقه ورغّب في ذلك وشوّق اليه بمختلف الاساليب وحذّر من تركه والتعلق بالمال وامساكه عن النفقة.. ويدل على ذلك الكثير من الآيات الكريمة والاحاديث الشريفة التي وردت في ذلك وتناولته من جميع جوانبه كنظام متكامل يحقق الغايات والاهداف المرجوة منه. وليتضح ذلك بصورة جلية لا بأس بالتعرض لعدة محاور في هذا النظام: الأول: الدواعي لتشريع هذا النظام والمشاكل التي يعالجها. الثاني: فضل الانفاق في الشريعة الاسلامية وبتعبير آخر المعطيات الدنيوية والاخروية له. الثالث: الاساليب القرانية المتعددة للحث على الانفاق وهي ثلاث: 1- الترغيب والتشويق 2- التأنيب على عدم الانفاق 3- التخويف والترهيب عن عدم الانفاق الرابع: شروطه وآدابه الخامس: موانع الانفاق. السادس: صور الانفاق المتعددة الواجبة والمستحبة. المحور الاول: دواعي التشريع: 1- ان أي مجتمع يتعرض ولأسباب متعددة الى مشكلة الفقر والفقير وهذه المشكلة لها آثار خطيرة على الفرد الفقير ومجتمعه فالانسان صاحب الحاجة والمعوز والذي ليس له مأوى او طعام يسد حاجاته اذا ترك من دون سد حاجاته المتعددة سيتحول الى انسان يشعر بالظلم والحيف من مجتمعه فيترك ذلك آثاراً نفسية واجتماعية خطيرة على حياته ويشلّه الفقر عن الانتاج والتفكير والمساهمة في بناء مجتمعه وقد يتحول الى انسان مجرم يرتكب مختلف الجرائم بحق مجتمعه. فوضع الاسلام نظام الانفاق المتعدد في وجوهه ليسد حاجة هؤلاء الفقراء ويعالج الآثار المذكورة صيانة للفرد الفقير ولمجتمعه من تداعياتها ومخاطرها. 2- من المشكلات الاجتماعية الكبرى التي يعاني منها الانسان دوماً هي مشكلة التباين الطبقي الناشئة من تكدس الثروة المالية لدى فئة قليلة وحرمان الاغلبية من ما يحتاجونه من ضرورات الحياة بسبب عوزهم المالي. ومثل هذه المشكلة ستقود المجتمع الى القلق والاضطراب والخوف وسوء الظن ومن ثم الوقوع في العداء والصراع بين طبقات المجتمع المختلفة. ولذلك وضع الاسلام نظام الانفاق ليزيل هذه الفوارق غير العادلة والناشئة من عدم التوازن في توزيع المال والذي يتبعه الظلم الاجتماعي بين الطبقتين الغنية والفقيرة، وليوفر للطبقة المحتاجة احتياجها الأدنى من ضرورات الحياة فيرفع بذلك الشعور بالظلم لدى هذه الطبقة ويؤسس لروح الاخوة الانسانية بين الناس ويعزز روح التعاون والتكافل. 3- التأسيس لنظام التكافل الاجتماعي بين عموم المجتمع وذلك لان نظام الانفاق لم يقتصر على اشباع حاجات الفقراء بل ورد استحباب الانفاق في سبيل الله تعالى وهذا يشمل جميع المشاريع الخيرية سواء أكانت ذات مردودات عبادية او اجتماعية كدور الايتام او تعليمية كالمدارس او طبية كالمراكز الطبية المتعددة في خدماتها أم الشوارع والجسور وغيرها.. وهذا الانفاق يجعل المجتمع كفيلا ً بالاعتماد على نفسه ولو نسبياً في تحقيق الخدمات العامة له لو التزم المجتمع بهذا النظام بصورة واسعة وشاملة كما خطط له الاسلام. 4- تطهير النفس من عدة رذائل نفسية واخلاقية منها البخل والشح وحب المال والتي تقود الانسان الى غضب الله تعالى والهلاك في الاخرة اضافة الى آثارها الدنيوية وفي المقابل فان البذل والعطاء يحققان للنفس الانسانية فضائل ممدوحة من الكرم والجود والسخاء والرحمة والشفقة والاحسان ونحو ذلك والذي يقود الى رضا الله تعالى واستقرار المجتمع وسعادته وتكامل النفس الانسانية. 5- اشاعة روح المحبة والتوادد والتالف والتقارب بين الناس وذلك لأن الفقير حينما يرى الغني يبذل ماله لسد حاجاته وسعادته فانه سيقابله بالمودة والمحبة بعكس ما لو رآه يمنع عنه حقه الذي يشعر به الفقير فإنه سيورث الكراهية والعداء وربما حتى ارتكاب الجريمة بحقه. 6- تقوية القدرة الدفاعية للمجتمع الاسلامي حينما تهدده مخاطر الاعتداءات الخارجية اذ الدفاع لا يستلزم فقط توفير الرجال القادرين على ذلك وتجهيزهم بالمعدات والاسلحة بل لابد من توفر الاموال لدعم المقاتلين والمعركة بما تستلزمه من نفقات متعددة وبالتالي يقوى المجتمع على توفير أركان الدفاع الناجحة في الحفاظ على المجتمع امام مخاطر الاعداء إضافة الى ما يوفره من فرصة للمشاركة في الجهاد لمن لا يتمكن ببدنه من ذلك. المحور الثاني: صرحت الكثير من الايات القرانية والاحاديث الشريفة بفوائد تعود على المنفق في الدنيا والبعض الآخر فيما يخص آخرته: 1- منها قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) – سورة فاطر-. فهؤلاء الذين ينفقون اموالهم مما رزقهم الله تعالى في السر والعلن يرجون تجارة لن تبور ولا يكتب لهم فيها الخسران فان طرف المعاملة هو الله تعالى وليس هو فرداً من البشر وبالتالي فان الضامن لهذه التجارة هو الله تعالى فلا خسارة فيها بل كلها ربح وجزاء من ثلاثة امور: 1- يوفيهم اجورهم وهذه الكلمة تدل على عدم وجود أي نقص في الحساب. 2- ثم تتجلى الروعة في الرحمة والعطف على المنفق من قبل الله تعالى ولذلك ورد في الحديث الشريف: (ما نقص مال من صدقة قط فأعطوا ولا تجبنوا) البحار 96/131. 3- في الثالثة يزيدهم الله تعالى بالمغفرة لذنوب المنفق جراء قيامه بهذا العمل الانساني وتحسسه بآلام غيره الذي دفعه للإنفاق اضافة الى ذلك الشكر من الله تعالى الذي يختلف عن شكر الانسان فشكره تعالى عطاء متواصل لا ينقطع وجزاء مضاعف من جنة ونعيمها الدائم. - منها قوله تعالى: (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265) – سورة البقرة-. وفي آية اخرى: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261) – سورة البقرة-. فتارة النماء يتضاعف ضعفين كما في الاية السابقة وتارة اخرى يتضاعف حتى يصل الى سبعمائة كما صرحت به الآية الاخيرة، وكما ورد في الحديث: (من انفق في سبيل الله ضعفت له نفقته الدرهم بسبعمائة، والدينار بسبعمائة). بل بمقتضى قوله تعالى: (وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ) ان كرمه ولطفه قد يجعل ثواب صدقته واحسانه اضعافاً مضاعفة اكثر من سبعمائة. وفي آية اخرى تجعل الانفاق قرضاً يضاعفه الله تعالى: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً). فليطمئن المنفق حيث ان انفاقه من المال هو على نحو القرض وسيضاعف الله تعالى ربحه على هذا القرض بأضعاف كثيرة.. فماله الذي ينفقه لا يتصور المنفق انه خسره وأتلفه بإنفاقه على الفقراء بل هو يشبه مصرفاً أودع فيه امواله بصورة مضمونة وسيضاعف له ارباحه اضعافاً كثيرة في وقت هو بأمس الحاجة الى هذا المال. الأمر الثاني: اننا نعيش الايام الاخيرة للعام الميلادي 2016 ونستقبل بعد ايام عاماً جديداً، وبهذه المناسبة نتقدم بالتهنئة بميلاد السيد المسيح (على نبينا وآله وعليه افضل التحية والسلام) لجميع المواطنين الكرام من ابناء الديانة المسيحية ولغيرهم من مسيحيي العالم آملين ان يكون عاماً سعيداً لهم وللبشرية جمعاء، يعمل فيه الجميع لتثبيت قيم المحبة والتعايش السلمي المبني على رعاية الحقوق والاحترام المتبادل بين اتباع مختلف الاديان والمناهج الفكرية والتجنب عن الاساءة الى رموز الاخرين ومقدساتهم التي تؤدي بطبيعة الحال الى خلق بيئة مناسبة للتوتر والصراع والعنف. مؤكدين في الوقت نفسه على ان العراق وطن لجميع ابنائه على اختلاف اديانهم ومذاهبهم واتجاهاتهم الفكرية ومن الضروري تمكين الجميع من حقهم في العيش فيه بأمن وكرامة. داعين الى ان يشترك الجميع في العمل لتحقيق ما يصبوا اليه العراقيون من الاستقرار السياسي والامني والاجتماعي والتقدم والازدهار.. بعيداً عن اثارة النزاعات والصراعات وممارسة العنف لتحقيق مصالح سياسية او طائفية او مناطقية ضيقة. وبانتهاء هذا العام يضاف عام آخر الى الاعوام التي مرت على العراقيين وهي مليئة بالآلام والمآسي ولاسيما بالنسبة الى من تعرضوا للعمليات الارهابية من المدنيين العزل ومن هجّروا من مدنهم وأماكن سكنهم ولا يزال يعيش الكثير منهم في الخيم في ظروف قاسية جداً، كما كانت هذه الاعوام مليئة بالتحديات الكبيرة والتضحيات الجسيمة ولاسيما من اعزائنا المقاتلين في جبهات المنازلة مع الارهاب الداعشي الذين قدموا عشرات الالاف من الشهداء والجرحى فداءً للوطن والمقدسات، ونحن اذ نشير الى ذلك ندعو مرة اخرى جميع المتمكنين مالياً ان لا ينسوا اخوانهم واخواتهم في مخيمات النزوح ويوفروا لهم ما يخفف عنهم معاناتهم، كما ندعو كافة المواطنين الى ان يستمروا في دعم واسناد مقاتلينا الميامين في جبهات القتال حتى تحقيق النصر الكامل بإذن الله تعالى.. آملين ان يكون العام القادم أفضل مما سبقه ويأخذ فيه القوى السياسية العظة والعبرة بما فيه الكفاية من التجارب المرّة والاليمة والسابقة ويعملوا فيه من اجل عراق مستقر وآمن ومزدهر.