اعتبر ممثل المرجعية العليا، والمتولي الشرعي لحرم الإمام الحسين، عليه السلام، الشيخ عبد المهدي الكربلائي، أن "الارتباط الداخلي" و "الانشداد القلبي" للمؤمن بالله هو البناء الروحي للشخصية المسلمة. وقال في جانب من خطبته الأولى من صلاة يوم الجمعة، إننا لا نقصد بالجانب الروحي كثرة الصلاة والصيام والعبادة وان كان لكثرة التعبد صلة وثيقة بالجانب الروحي. وأضاف "ولا نقصد به حسن التعامل مع الناس والأخلاق الحسنة، كالعفة والكرم والإحسان، وما شاكل ذلك وان كان للأخلاق صلة وثيقة بالجانب الروحي". وتابع سماحته: "بل المقصود به هو الارتباط الداخلي للمؤمن بالله تعالى ومدى انشداده القلبي والنفسي والعاطفي من حيث الإيمان القلبي والحب والإخلاص وما يرافق هذه المعاني الثلاثة من خوف ورجاء.. وتعتبر هذه العلائق جوهر الشخصية الاسلامية". وأكد الكربلائي أن المجتمع الإسلامي لا ينموا كما ونوعاً ما لم يعمل على بناء أفراده بناءً صحيحاً كاملاً من خلال الاهتمام بالعلم ومجانبة الجهل، وترك الأنانية والاهتمام بأمور المسلمين. إليكم النص الكامل للخطبة الاولى من صلاة الجمعة بإمامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في 16/ربيع الاول/1438هـ الموافق 16 /12 /2016 م: قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمْ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً (2) نِصْفَهُ أَوْ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً (6) إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً (7) وَاذْكُرْ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً (8) – سورة المزمل-. قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) – سورة التوبة-. تشير الايات القرانية الى بناء الجانب الروحي في شخصية الانسان المسلم.. فما هو المقصود بالجانب الروحي في شخصية الانسان المسلم؟ وما هو تأثيرها على الجوانب العبادية والاخلاقية؟ وكيفية بناء هذا الجانب في الشخصية الاسلامية؟ للجواب عن ذلك نقول: لا نقصد بالجانب الروحي كثرة الصلاة والصيام والعبادة.. وان كان لكثرة التعبد صلة وثيقة بالجانب الروحي.. ولا نقصد به حسن التعامل مع الناس والاخلاق الحسنة، كالعفة والكرم والاحسان، وما شاكل ذلك وان كان للاخلاق صلة وثيقة بالجانب الروحي.. بل المقصود به هو الارتباط الداخلي للمؤمن بالله تعالى ومدى انشداده القلبي والنفسي والعاطفي من حيث الايمان القلبي والحب والاخلاص وما يرافق هذه المعاني الثلاثة من خوف ورجاء.. وتعتبر هذه العلائق جوهر الشخصية الاسلامية ومضمونها الاساسي وتصدر عن هذا الجانب عناصر الشخصية الاسلامية الاخرى وسماتها وخصائصها المميزة عن الناس وبينهما تأثير متبادلاً.. ما هي مناشيء الاهتمام بالجانب الروحي ضمن بناء الشخصية التربوية الاسلامية: هناك منشآن اساسيان لذلك: 1- ان المضمون والجوهر والاساس الذي يتوقف عليه بناء الشخصية الاسلامية المتكاملة انما هو صدق وعمق العلاقة بالله تعالى والتعلق القلبي به ايماناً وحباً ورجاءاً وتوكلا ً واخلاصاً.. وهو ايضاً تحرّر داخل الانسان من اسر الشهوات والاهواء والعبودية الكاملة لله تعالى.. كما ان صلاح المجتمع وقدرته على بناء الامة والذات متوقف على صلاح الفرد الفرد واستقامته وتكامله.. فصلاح المجتمع من صلاح الفرد وتكامل المجتمع من تكامل الفرد كماً ونوعاً.. (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) وهكذا فان بناء المجتمع الاسلامي لا يحدث الا من خلال نمو المجتمع كماً ونوعاً.. ولا يكون ذلك الا من خلال الشخصية الاسلامية المتكاملة والمتمثلة بـ: أ- الشخصية الاسلامية التي لها معرفة بالاسلام وتفهمه وتعيه وتهتم بامور المعرفة والعلم (لا خير في عبادة ليس فيها تفقه) فالجهل وعدم وعي الاسلام روحاً واحكاماً وافكاراً كثيراً ما يعزل ويفصل مضمونه وجوهر الشخصية الاسلامية عن مسارها الصحيح.. وكذلك لتكامل الشخصية الاسلامية لابد ان لا يقتصر المؤمن على الاهتمام بشخصه بل لابد ان تشمل دائرة اهتمامه شؤون المسلمين حتى ورد في الحديث نفي الاسلام عمن لا يهتم بامور المسلمين فالانانية وحب الذات لا تجد لهما موقعاً في شخصية الانسان المسلم الحقيقي. (من اصبح لا يهتم بامور المسلمين فليس بمسلم). والشخصية الاسلامية المتكاملة كثيرة التعبد كثيرة التهجد وهي الشخصية الخلوقة التي يشير لها الناس بالخلق الحسن، وطيب المعاملة وهي ذات نفع للناس.. (اكمل المؤمنين ايماناً احسنهم اخلاقا) وهي في نفس الوقت تخلص في نيتها لله تعالى، وتسعى لتجعل كل اعمال بنية التقرب لله تعالى. (انما الاعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى فمن غزا ابتغاء مرضاة الله فقد وقع على اجره على الله ومن غزا يريد عرض الدنيا او نوى عقالا لم يكن له الا ما نوى)، - الوسائل- ابواب مقدمات العبادات- ب5 ص39. فلابد من اعطاء وكل شيء من الاسلام حقه، الروح والعقل والقلب والارادة وغيرها، فنرى بعض الناس يركزون على جوانب ويتركون جوانب اخرى وهذا ناشيء عن عدم فهم الاسلام بصورة صحيحة..فلابد من التوازن والتكامل ايضاً في بناء شخصية الانسان المسلم بحيث لا يقصّر من جانب من بناء الشخصية كما انه لا يركز على بعضها ويهمل البعض الاخر.. والآيتان المذكورتان تبين الترابط بين الجانب الجهادي والجانب العبادي والعلمي وربطهما بمواصفات الشخصية المهتمة بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر.. الاعداد الروحي لتحمّل المسؤولية الثقيلة: ان التربية الروحية اعداد للانسان المسلم لتحمل اعباء القول الثقيل واعباء طريق الدعوة والايمان حيث يتعرض بسبب ذلك المسلم الى الوان الاغراءات والعوائق والفتن او الوان من العذاب والتنكيل والضغوط الخارجية والداخلية والاجتماعية والنفسية.. وقد جاءت الآيات القرآنية (1-8) من سورة المزمل لتشرح الدورة التربوية الروحية التي اعدّها الله تعالى لرسوله الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي سيتعرض لالوان من الضغوط الخارجية والداخلية والاجتماعية والنفسية من تعذيب المشركين واستهزائهم واغرائهم وسيتعرض المؤمنون كذلك الى التعذيب والحرب والفتن فلابد من............. روحية تعين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على المواجهة والصبر والتحمّل وذلك من خلال قيام الليل بالمقدار المذكور والذي يعطي قدرة اكثر من غيره على بناء الروح وربطها بالله تعالى والقدرة على تبليغ الرسالة وتحمّل اعبائها ومسؤولياتها.. فقيام الانسان بالليل والناس نيام والانقطاع عن الحياة الدنيا وزخارفها وفتنها والاتصال بالله تعالى وتلقي فيضه ونوره والانس بالوحدة معه والخلوة اليه وترتيل القران والناس نيام فهذا كله زاد روحي لتحمّل القول الثقيل واعباء الرسالة.. التربية الروحية وتاثيرها على استقامة الانسان المسلم في مسيره: ليس من الهين ان تستقيم مسيرة المؤمنين العاملين في سبيل الله تعالى على الطريق الذي يرتضيه الله تعالى ويشرعه الاسلام من جهة الافكار والمفاهيم والاعمال والسلوك للاسباب التالية: لان الحضارة الجاهلية والمفاهيم الاجتماعية المادية التي كان يعيش فيها اصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) تدعوهم الى الانحراف وتؤثر فيهم اما عن طريق الوراثة الفكرية او الايحاء الثقافي.. وميل الانسان الى ان يتوافق مع مجتمعه ولا يخالفه حذراً من المقاطعة او المحاربة النفسية والفكرية فقد يؤدي ذلك الى التنازل الفكري والتراجع في السلوك والاخلاق. ب- ان الانسان المسلم قد يضعف امام الضغوط الاجتماعية واهواء النفس ومحاولة عدم انسلاخه عن عائلته ومجتمعه وبيئته فيؤدي به الى التنازل عن كثير من افكاره ومعتقداته والتزاماته والتربية الروحية تجعل المؤمن في علاقة متينة ومحكمة مع الله تعالى فهو من خلال عبادته واتصاله الروحي يستمد العزيمة والصبر والثبات ويشعر بان هناك قوة لا متناهية معه فمن خلال هذه العبادة والتهجد والبناء الروحي يكون التأثير الاغلب للعلاقة مع الله تعالى على تاثير البيئة المحيطة به فيتحمل ظروف الحياة الصعبة وقساوتها وتحدياتها.. 2- التربية الروحية وتماسك الصف للمؤمنين: ويعتمد تماسك الصف على الشعور بوحدة الاهداف والمنطلقات والتعاطف القلبي.. وقد يتعرض تماسك الصف الى عوامل التفتيت والتفرقة والتجزئة باستمرار بسبب اختلاف الاراء والمصالح الشخصية عند تغليبها على المصالح العامة واختلاف الامزجة والمذاقات والتربية الروحية وتنمية العلاقة مع الله تعالى تعمل على الامور التالية: توحيد المنطلق النفسي للمؤمنين في الدوافع والاهداف والشعور المشترك وحب الرسالة والرغبة في نشرها وتطبيقها في مقابل الرغبات والمصالح الشخصية والاهداف الذاتية التي تختلف من شخص لآخر فتكون مبعثاً للتفرق.. الحب في الله تعالى يقود الى حب المؤمنين والانس بهم والتاخي معهم ومشاركتهم الوجدانية في همومهم والامهم وتطلعاتهم. الحرص على المصلحة الدينية والخوف على الاسلام. التقيد بالاخلاق الاسلامية والعلاقات الاجتماعية الراقية بين المؤمنين. هذه المعاني هي الاساس للتماسك وتقوية الصفوف وتحصينها من التزلزل والتصدع وهي معاني لا تحصل الا بالايمان بالله تعالى والخلاص له، وحبه الذي ينبسط على الجميع وكذلك طاعته والصبر عليها في مواجهة الاهواء الشخصية والانا وحب الذات.. 3- التربية الروحية والثبات على الدين والصبر والمطاولة في تحمّل المحن: ان للتربية الروحية علاقة وثيقة بالثبات على الدين في الايام الصعبة وامتصاص المحن والحرب والنفسية والاضطهاد الجسمي والنفسي.. فالصمود في المحن والبلاء وفتنة العذاب والمواجهة وتحمّل المصاعب هي سمة المؤمنين.. وقد سجلّت في التاريخ صدور رائعة للصابرين في المحنة والبلاء بسبب عمق صلتهم بالله تعالى وشديد تعلقهم به..