أيها الإخوة المؤمنون والأخوات المؤمنات السائرون في درب المحبة والولاء للإمام الحسين عليه السلام. ونحن نقترب من أيام مسيرة الأربعين الخالدة، ينبغي لنا جميعاً أن نستذكر عدة أمور ونعمل على تحقيقها: أولا ً: إن القران الكريم وسيرة وتعاليم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وآله الأطهار عليهم السلام وما تقتضيه الفطرة الإنسانية وسيرة العقلاء كل ذلك يوجب علينا ان يكون مسيرنا هادفاً واعياً بعيداً عن السطحية، ولقد أرشدنا المأثور من زيارة المعصومين عليهم السلام الى الكثير من الأهداف الالهية المتوخاة من مثل هذه المسيرات ومنها: التنبيه الى أهمية مبدأ التولي لله تعالى ورسوله والأئمة الأطهار عليهم السلام وأوليائه الصالحين؛ والتبريء من أعدائهم، وان هذا المبدأ حي لا ينقطع ما بقي لله تعالى عباد يسيرون على نهجهم ويعملون بسيرتهم ويدعون للاقتفاء بآثارهم والعمل لإعلاء كلمتهم، وكان لهم أعداء يجهدون لإطفاء نورهم ومحو آثارهم والتنكيل بمحبيهم ومحاربة نهجهم، وقد ورد في زيارة الإمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء ( (وأتقرب الى الله ثم اليكم بموالاتكم وموالاة وليكم وبالبراءة من اعدائكم والناصبين لكم الحرب وبالبراءة من أشياعهم وأتباعهم، إني سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم وولي لمن والاكم وعدو لمن عاداكم)). وقد أوضح الأئمة عليهم السلام معنى الموالاة، فقد ورد عن الإمام الباقر عليه السلام انه قال لجابر الجعفي: " من كان لله مطيعاً فهو لنا ولي ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدو ولا تنال ولايتنا إلا بالعمل والورع ". وقال في حديث آخر: " فوالله ما شيعتنا إلا من اتقى الله واطاعه، وما كانوا يُعرفون ـــ يا جابر ـــ إلا بالتواضع، والتخشع، واداء الامانة، وكثرة ذكر الله، والصوم، والصلاة، والبر بالوالدين، والتعهد للجيران من الفقراء، واهل المسكنة، والغارمين، والأيتام، وصدق الحديث، وتلاوة القرآن، وكف الألسن عن الناس إلا من خير وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء ". فالمناط في صدق الموالاة ليس مجرد اظهار الحب بل صدق الطاعة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم واله الاطهار عليهم السلام؛ واقتفاء آثارهم فيما ورد عنهم من مناهج الحياة المختلفة من اداء الواجبات وترك المحرمات والتخلق بأخلاقهم وآدابهم. وقد ورد ايضاً في زيارة الشهداء ( (يا ليتني كنت معكم فأفوز فوزاً عظيماً))، ولا يمكن الكشف عن صدق الرجاء والتمني المذكور الا بأن يكون في كل زمان اولياء لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم وللائمة الأطهار عليهم السلام يسيرون على نهجهم ويجاهدون في سبيله ويعملون على اصلاح مجتمعهم واختبارنا بمدى طاعتنا لهم والانقياد لمنهجهم وتبعية مواقفنا واعمالنا لما يرشدون اليه ويأمروننا به ـــ وقد شاء الله تعالى ان يكون اختبارنا بالابتلاء بقوم اختاروا طريق العنف والتوحش والاعتداء سبيلا لدعوتهم ومنهجهم فكانت عصابات داعش اوضح مصداق لذلك ـــ وكان الرجال من المقاتلين الابطال في الجبهات النموذج الامثل لمن صدق في دعوى ولائه للإمام الحسين عليه السلام، يشاركهم في مرتبة من ذلك من يساندهم ويدعمهم بالمال والمؤن وسائر ما يحتاجون اليه. ثانياً: لقد شاء الله تعالى بتجاوز اهل الولاء والايمان للتحديات والازمات الصعبة التي مروا بها وانفتاحهم على المجتمعات الاخرى مع ابراز قيم الايثار والبذل والعطاء خلال ذلك ان تأخذ المسيرة الاربعينية طابعاً عالمياً جذبت اليها الكثيرين من مختلف شعوب العالم، ومن هنا فان الله تعالى هيأ لكم فرصة ثمينة للتعريف بقضاياكم وتوعية العالم بمبادئكم الانسانية العظيمة، فاغتنموا هذه الفرصة واحسنوا استثمارها فان ذلك مدعاة لتعزيز ثقافتكم الاسلامية الاصيلة على الساحة العالمية واحترام الشعوب لكم واجلالها لمقدساتكم – فالله الله في حفظ القدسية والشرافة ولا تسمحوا للبعض بأن يخدشوها ببعض السلوكيات والتصرفات غير اللائقة بقدسية المناسبة وحببوا هذه المسيرة لقلوب وعواطف هذه الشعوب بإظهار سموها وقداسة شعائرها ومبادئها وابرزوا مكارم الاخلاق فيها، واعملوا على ضبطها بما لا يخرجها عن المحددات الشرعية. ثالثاً: ونؤكد على الاخوات المؤمنات المشاركات في هذه المسيرة المباركة بأن مواساة نساء اهل البيت عليهم السلام وخصوصاً السيدة زينب عليها السلام في مسيرها نحو كربلاء المقدسة لا تتحقق الا برعاية العفة والحجاب، وصون اللسان والعين عن الحرام، فالله الله في حجابكن وعفتكن وستركن، فالمؤمنة الموالية حقاً هي التي تراعي مقتضيات العفاف في تصرفاتها وسلوكها وملابسها وتتجنب الاختلاط المذموم والزينة المنهي عنها. رابعاً: تشهد طرق المسير لهذه الزيارة الالهية تواجد الاخوة من فضلاء وطلبة الحوزة العلمية في النجف الاشرف لتبليغ الاحكام الشرعية وارشاد الزائرين الى ما فيه رشدهم وصلاحهم ولإقامة الصلاة جماعة في أوقاتها، فنوصي الإخوة الزائرين والأخوات الزائرات باستثمار هذه الفرصة في التعرف على احكام دينهم وسيرة أئمتهم عليهم السلام والاسترشاد بما يقدمه هؤلاء الاخوة المبلغون والاخوات المبلغات من مواعظ وارشادات حتى يرجعوا بعد التوفيق لزيارة مولانا سيد الشهداء عليه السلام وقد نهلوا من معارف أهل البيت عليهم السلام وتزودوا بالتقوى والسداد ينتفعون بذلك في هذه الحياة وفي يوم المعاد. خامساً: نوصي اصحاب المواكب والرواديد وهم يقيمون مجالس العزاء الحسيني ان يجعلوا في شعاراتهم واشعارهم مساحة وافية لتمجيد بطولات وتضحيات احبتنا في ساحات القتال، هؤلاء الذين يجسدون اليوم مبادئ الامام الحسين عليه السلام في واقعة الطف في مقارعة الظالمين والتضحية والفداء في سبيل احقاق الحق وابطال الباطل، وينبغي الاهتمام برفع صور الشهداء الابرار وذكر اسمائهم في الطرق التي يسلكها المشاة الى كربلاء المقدسة لتبقى صورهم واسماؤهم ماثلة في النفوس ويتذكر الجميع ان بتضحيات ودماء هؤلاء الكرام يتسنى للمؤمنين اليوم ان يشاركوا في المسيرة الاربعينية في أمن وسلام. نسأل الله تعالى ان ينصر مقاتلينا الاعزاء في جبهات القتال ويخلص العراقيين من رجس الارهابيين ويعيد الامن والاستقرار الى جميع ربوع بلدنا الحبيب انه ارحم الراحمين.