مع اقتراب يوم عرفة ، طالبت المرجعية الدينية العليا المؤمنين بتعاهد دعاء الامام الحسين عليه السلام ، وتذكّر " عوائل الشهداء ومنهم الأبناء ( فلذات الأكباد ) بعد غياب آباءهم . كما طالبت المرجعية من خلال ممثلها وإمام جمعتها في كربلاء المقدسة ؛ سماحة الشيخ الكربلائي بضرورة معاودة ذوي الشهداء بالزيارة وشملهم " بالحنان والعطف " لأن هؤلاء الشهداء إنما " فارقوا الدنيا ولذاتها وتركوا الأهل والأحبة لأجلكم ؛ ليحفظوا لكم وطنكم ويصونوا مقدساتكم وأعراضكم فلهم الفضل والمِنة ، فكونوا ممن يقابل الإحسان بالإحسان " . وفي تباينه لأهمية الدعاء لمن التزم خنادق الدفاع عن الوطن ومقدساته من أبطال القوات المسلحة والحشد الشعبي المقدس ، طالب الكربلائي خلال الخطبة الثانية لصلاة الجمعة التي أقيمت بإمامته في الصحن الحسيني الشريف اليوم الجمعة 7 ذي الحجة 1437هـ الموافق 9 أيلول 2016 المؤمنين ـــ وهم يستقبلون يوم عرفة وعيد الأضحى المبارك ـــ بأن يجتهدوا " في هذا اليوم العظيم بالدعاء للمقاتلين بالنصر والظفر وخلاص الامة من شرور الإرهابيين ، وبالفرج عن المنكوبين والمستضعفين والنازحين " . كما أشار سماحته بضرورة الدعاء بـــ " الهداية للحكام والمسؤولين ممن كان قابلا للهداية " والخلاص ممن لم يقبل الهداية منهم " . وأعتبر أمام جمعة كربلاء المقدسة ان الله قد " اختار من الأيام صفوة وجعلها اقرب اليه من غيرها في نزول رحمته وفيوضات لطفه وإجابة دعائه " ومنها يوم عرفة الذي " سيحل بساحتكم قريبا . وأكد أن عرفة قد " شرّفه الله تعالى وجعله يوم دعاء وتوسل حتى بلغ من فضيلة الدعاء فيه انه يكرم الصوم فيه لمن يضعفه عن الدعاء " حيث استشهد في سبيل ذلك بما قاله باقر علوم النبيين الإمام محمد الباقر عليه السلام بعدما سُؤل عن صوم يوم عرفة ؟ ليجيب سلام الله عليه : " كان ابي لا يصومه ، لأن يوم عرفة يوم دعاء ومسألة وأتخوف ان يضعفني عن الدعاء " . وفي مورد تفعيل التكافل الاجتماعي ، طالب الشيخ الكربلائي المؤمنين بأن لا يغفلوا عن الفقراء والمساكين ، وان يديموا صلة الرحم بينهم ببر الجار والأخ ، " ولا تغفلوا عن فقرائكم ومساكينكم وصلوا أرحامكم وبرّوا بجيرانكم وإخوانكم " . واعتبر سماحته ، أن الله تعالى جعل العيد موسما للتواصل والتكافل والتعاون والصفح والعفو والمحبة والألفة وليس لما يغضبه ويسخطه . وفيما يلي النص الكامل للخطبة ... الخطبة الثانية لصلاة الجمعة بإمامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في 7 ذي الحجة 1437هـ الموافق 9 أيلول 2016 ايها الإخوة والأخوات ... ان الله تعالى كما اختار من عباده صفوة اجتباهم لرسالاته وخصهم حججاً على عباده ، فقد اختار من الايام صفوة جعلها اقرب اليه من غيرها في نزول رحمته وفيوضات لطفه وإجابة دعائه ، وسيحل بساحتكم يوم من هذه الايام شرّفه الله تعالى فجعله يوم دعاء وتوسل حتى بلغ من فضيلة الدعاء فيه انه يكرم الصوم فيه لمن يضعفه عن الدعاء، فقد ورد عن الامام الباقر عليه السلام انه سئل عن صوم يوم عرفة ؟ فقال عليه السلام " كان ابي لا يصومه ، ثم قال عليه السلام : لأن يوم عرفة يوم دعاء ومسألة واتخوف ان يضعفني عن الدعاء " . ومن الأعمال المستحبة في هذا اليوم هو زيارة الامام الحسين عليه السلام كما ورد في الكثير من النصوص، وفي بعضها عن الإمامين الصادق والرضا عليهما السلام أنهما قالا : " مَنْ أتَى قبرَ الحسين عليه السلام بِعَرَفَةَ أَقلَبَهُ الله ثَلِجَ الفُؤادِ " . وفي هذا اليوم تعجّ اصوات الملايين من المسلمين بصنوف اللغات في الموقف بعرفات تعلن توبتها الى الله تعالى والعودة اليه مستمطرين رحمته وسحائب رأفته وقد روي عن الامام الباقر عليه السلام انه قال : " ما يقف على تلك الجبال برٌّ ولا فاجر الا استجاب الله له فأما البرُّ فيستجاب له في اخرته ودنياه واما الفاجر فيستجاب له في دنياه " . وأننا ـــ كمسلمين ـــ بحاجة اليوم الى الرجوع والانابة الحقيقية والصادقة الى الله تعالى وشرعه القويم ومنهجه المحمدي الاصيل وذلك باتباع شرعته في الرحمة والاخوة واحترام الاخر ونبذ التعصب وتجنب الصراعات غير المبررة لا شرعاً ولا عقلاً ولا أخلاقاً ، وقبول كل منا بالآخر والعمل معه سوية في الخيرات حيث المشتركات كثيرة وما يجمعنا اكثر مما يفرقنا لولا ان الهوى والتعصب صار هو الغالب والسائد حتى بات العالم الاسلامي موطن الصراعات الدموية والاحتراب المقيت . وعليكم ايها الأحبة المؤمنون بتعاهد دعاء الامام الحسين عليه السلام يوم عرفة ؛ ففيه من المعارف الدينية السامية والتعاليم العقائدية والعرفانية العالية ومكارم الاخلاق الربانية ما ينبغي للداعي ان يتوجه بالتضرع والاستكانة والخشوع والرهبة والرجاء لله تعالى وطلب قضاء الحوائج للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات ، واجتهدوا في هذا اليوم العظيم في الدعاء لإخوانكم المقاتلين بالنصر والظفر وخلاص الامة من شرور الارهابيين وبالفرج عن المنكوبين والمستضعفين والنازحين وبالهداية للحكام والمسؤولين ممن كان قابلا للهداية وبالخلاص ممن لم يكن قابلا لها . فقد روي عن بعضهم انها قال رأيت عبدالله بن جندب ـــ وكان من أجلاء اصحاب الائمة عليهم السلام ـــ بالموقف فلم أرَ موقفاً كان احسن من موقفه وما زال مادّاً يده الى السماء ودموعه تسيل على خديه حتى تبلغ الارض فلما انصرف الناس قلت يا ابا محمد ما رأيت موقفا قط احسن من موقفك قال " والله ما دعوت الا لأخواني وذلك لأن أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السلام اخبرني انه من دعا لأخيه بظهر الغيب نودي من العرش ـــ ولك مئة الف ضعف مثله ـــ فكرهت ان ادع مئة الف ضعف مضمونة لواحدة لا ادري تستجاب أم لا . عباد الله تعالى ، ما ان يودعكم يوم عرفة حتى يحط بساحتكم يوم عيد الاضحى المبارك وقد جعل الله تعالى اعيادكم من شعائر دينكم وفتح فيها ابواب عودتكم لربكم ليعود عليكم بمزيد من الخير والرحمة والفيوضات والبركات ؛ فاعملوا فيها بما يرضي ربكم، وتقربوا اليه بالطاعات واغسلوا ببركاتها إِحن صدوركم ، والقوا أخوانكم بقلوب طاهرة من الغل نقية من الحسد ، وتذكروا عوائل شهدائكم حيث غاب الاباء عن فلذات اكبادهم فعودوا عليهم بالزيارة واشملوا اولادهم بالحنان والعطف وتذكروا انهم فارقوا الدنيا ولذاتها وتركوا الاهل والاحبة لأجلكم ليحفظوا لكم وطنكم ويصونوا مقدساتكم واعراضكم فلهم الفضل والمِنة، فكونوا ممن يقابل الإحسان بالإحسان ، ولا تغفلوا عن فقرائكم ومساكينكم وصلوا أرحامكم وبرّوا بجيرانكم وإخوانكم ، واعلموا ان الله تعالى ما جعل اعيادكم اياما لأفراحكم ومسراتكم بما يغضبه ويسخطه بل جعلها موسما للتواصل والتكافل والتعاون والصفح والعفو والمحبة والألفة فيما بينكم . اللهم ارزقنا شوق ثواب الموعود وخوف غم الوعيد حتى لا نأنس الا بذكرك ولا نستوحش الا من معصيتك انك رحيم غفور.