ساهم أئمّة أهل البيت(عليهم السلام) مساهمةً مباشرةً في نشر العلم بجميع فروعه في أصقاع الأرض، ولكن اختصّ أربعةٌ منهم وساعدتهم الظروف على نشر معارف الإسلام في الآفاق أكثر من الآخرين كان أوّلهم الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) وآخرهم الإمام الرضا والصادقان محمد بن علي وجعفر بن محمد(عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه).. الشيء البارز في شخصية الإمام الرضا(عليه السلام) هو إحاطته التامّة بجميع أنواع العلوم والمعارف، فقد كان –بإجماع المؤرّخين والرواة– أعلمَ أهلِ زمانه وأفضلَهُم، وأدراهُم بأحكام الدين، وعلوم الفلسفة، والطبّ، وغيرها من سائر العلوم. وقد تحدّث أبو الصلت الهرويّ عن سعة علومه (عليه السلام)، وكان مرافقاً له إذ يقول: ما رأيتُ أعلم من عليّ بن موسى الرضا(عليه السلام)، ما رآه عالمٌ إلّا شهد له بمثل شهادتي، وقد جمع المأمون في مجلسٍ له عدداً من علماء الأديان، وفقهاء الشريعة، والمتكلّمين، فَغَلَبَهُم(عليه السلام) عن آخرهم، حتى ما بقي منهم أحد إلّا أقرَّ له بالفضل، وأقرَّ له على نفسه بالقصور، فكان الإمام الرضا(عليه السلام) أعلم أهل زمانه، كما كان المرجعَ الأعلى في العالم الإسلاميّ، الذي يرجع إليه العلماء والفقهاء فيما خفي عليهم من أحكام الشريعة والفروع الفقهية، وقد دلّت على ذلك مناظراته(عليه السلام) في خراسان والبصرة والكوفة حيث سُئِل عن أعقد المسائل، فأجاب عنها جواب العالم الخبير المتخصّص. كما كانت هناك ظاهرةٌ أخرى له(عليه السلام) وهي إحاطته الشاملة بجميع اللّغات، ويَدلُّ على ذلك ما رواه أبو إسماعيل السندي قال: سمعتُ بالهند أنّ لله في العرب حجّة، فخرجت في طلبه، فَدُلِلْتُ على الرضا(عليه السلام) فقصدته وأنا لا أُحسن العربية، فَسَلَّمتُ عليه بالسندية، فَردَّ عليَّ بِلُغَتِي، فجعلت أُكلِّمه بالسندية وهو يردُّ عليّ بها وقلت له: إنّي سمعت أنّ لله حجّة في العرب فخرجت في طلبه، فقال(عليه السلام): (أنا هو). ثم قال(عليه السلام) لي: (سَلْ عمّا أردته). فسألته عن مسائل فأجابني عنها بِلُغَتِي، وقد أكّد هذه الظاهرة الكثيرون ممّن اتّصلوا بالإمام(عليه السلام). وهذا غيضٌ من فيوضات الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام) العلمية، فالسلام عليه يوم وُلد ويوم استُشهِد ويوم يُبعث حيّاً.