طالب خطيب جمعة كربلاء المقدسة سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي ( دام عزه ) خلال خطبته الثانية التي القاها في الصحن الحسيني الشريف يوم الجمعة 6/ربيع الاول/1437هـ الموافق 18/كانون الأول/2015م ، طالب المؤسسات الحكومية المختلفة ، فضلا عن الجمعيات والمنظمات الإنسانية بل وكل من يقدر على رعاية ايتام وعوائل الشهداء واداء حقوقهم وتوفير العيش الكريم لهم ، وفاء لما بذلوه من دماء زاكيات وأرواح طاهرات ، عادا ذلك بأنه مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الجميع ، وبذلك فإن الجميع ملزمون بُحسن إستخلاف الشهيد في اهله واولاده وحفظ كرامتهم وأداء حقوقهم المعنوية والمادية ، وأن كان هو ـ الشهيد ـ في غنى من كل ذلك كونه في رحاب فردوس الله جل وعلا . الشيخ الكربلائي ، وفي معرض ثناءه على ما بذله الشهداء من نفيس مهجهم ، ابدى اسفه لما تواجهه العديد من عوائلهم من اجراءات رسمية معقدة في بعض المؤسسات الحكومية اثناء مراجعاتهم لتحصيل حقوقهم ورواتبهم ، معرجا على ما تتركه الخلافات العائلية والعشائرية من اسقاطات سلبية على إتمام الإجراءات الرسمية لذوي الشهداء من خلال اصرار بعض اقرباء الشهيد على التعامل بتعسف مع زوجته واطفاله ، كحجبهم لوثائقه الرسمية ، وهو ما لا يليق البتة بمكانته وتضحيته في سبيل حفظ البلد واهله . وبخصوص ما تشهده ساحات القتال من توالي انتصارات القوات المسلحة والمتطوعين ومقاتلي العشائر العراقية الاصيلة ، وأخرها تحريرهم معظم مدينة الرمادي ، دعا الكربلائي القوى والأطراف العراقية التي يعنيها مستقبل البلاد وتخليصه من ازماته ، الى تكثيف جهودها وزيادة مساعيها بما يوصلها الى خطة وطنية كاملة ، تُحرر من خلالها باقي مناطق البلاد التي استباحتها عصابات داعش الإرهابية ، ولا يكون ذلك الا على ايديهم انفسهم من خلال اهتمامهم بالمصالح العليا لبلدهم وتقديمها على مصالحهم الشخصية والفئوية والمناطقية ، بعيدا عن المخططات الدولية والإقليمية والمحلية التي تستهدف تقسيم البلاد الى دويلات صغيرة ومتناحرة بصراع بعيد الأمد . هذا وقد جاء فيها ما يلي : الأمر الاول: لقد كان ولا زال لدماء الشهداء ، الدور الاساس في الدفاع عن العراق وشعبه ومقدساته وحفظ وحدته وحماية اعرض مواطنيه ودرء شر العصابات الارهابية ، التي خططت لمسخ هويته الوطنية وتمزيق نسيجه الاجتماعي . فللشهداء فضل على الشعب العراقي بجميع اطيافه وطبقاته ومكوناته ، واذا كان الشهيد في غنى عن الناس لأنه في مقعد صدق عند مليك مقتدر، فإن رعاية ايتامه وعائلته واداء حقوقهم وتوفير العيش الكريم له هو اقل ما يقتضيه الوفاء لدمه الزاكي وروحه الطاهرة ، وهو مسؤولية كبيرة على اعناق الجميع ، سواء الحكومة بمؤسساتها المختلفة او غيرها من الجمعيات الخيرية والمنظمات الانسانية ، بل كل شخص قادر على القيام بهذه المهمة ولو من بعض جوانبها . واذا كانت العناية الالهية بأهل الشهيد قد بلغت حداً ، ان جعل الله تعالى نفسه خليفة الشهيد في اهله وقال (( ان من ارضاهم فقد ارضاني ومن اسخطهم فقد اسخطني )) ، كما ورد في بعض الاحاديث الشريفة ، كان لزاماً على الجميع ان يفوا للشهيد حق الاستخلاف في اهله واولاده ، ويحفظوا لهم كرامتهم ، ويؤدوا اليهم حقوقهم المعنوية والمادية . ومن المؤسف ما يُسمع من شكوى العديد من عوائل الشهداء ، من تعقيد الاجراءات الرسمية لدى بعض المؤسسات الحكومية في انجاز معاملاتهم لحصولهم على حقوقهم وصرف رواتبهم ، وكذلك ما يلاحظ احياناً من تأثير الخلافات العائلية والعشائرية على انجاز معاملاتهم حيث يصر بعض اقرباء الشهيد على حجب بعض الوثائق الرسمية عن زوجته واطفاله لأغراض خاصة ، ان هذا كله لا يليق بمكانة الشهيد وتضحيته وما قدمه في سبيل حفظ البلد واهله ، ومن هنا نؤكد مرة اخرى على الجهات ذات العلاقة ببذل اقصى الجهود لتسهيل معاملات عوائل الشهداء وتبسيط اجراءاتها ، كما ندعو اقرباء وعشائر الشهداء ان يكونوا عوناً وسنداً لعوائلهم وايتامهم وزوجاتهم في تحصيل حقوقهم ، وان يمدوا اليهم يد العون والمساعدة مهما امكنهم ذلك ، ويسعوا الى احتضانهم ورعايتهم مادياً ومعنوياً بحيث لا يشعروا بفقدان كافلهم ومعيلهم ، فإن في ذلك مثوبة عظيمة وفوائد دنيوية لا تحصى . الأمر الثاني : في الوقت الذي تشهد فيه ساحات القتال انتصارات متتالية للقوات المسلحة ومن يساندهم من المتطوعين ومقاتلي العشائر العراقية الاصيلة ــ وكان آخرها ما قام به المقاتلون الابطال من تحرير معظم مدينة الرمادي مركز محافظة الانبار ــ فان مختلف القوى والاطراف العراقية التي يهمها مستقبل هذا البلد وتخليصه من ازماته الراهنة ، وتسعى الى توفير العيش الكريم لجميع مواطنيه في امن وسلام مع الحفاظ على وحدة اراضيه ، مدعوة الى ان تكثف جهودها و تزيد من مساعيها للتوافق على خطة وطنية متكاملة تفضي الى تحرير الاجزاء المتبقية التي لا تزال ترزح تحت سلطة عصابات داعش الارهابية ، بعيداً عن بعض المخططات المحلية او الاقليمية او الدولية التي تستهدف ــ في النهاية ــ تقسيم البلد وتحويله الى دويلات متناحرة لا ينتهي الصراع بينها الى امد بعيد . ان خلاص العراق وتجاوزه لأوضاعه الصعبة الراهنة ، لا يكون الا على ايدي العراقيين انفسهم ، اذا ما اهتموا بالمصالح العليا لبلدهم وقدموها على كل المصالح الشخصية والفئوية والمناطقية ونحوها ، واما الاطراف الاخرى سواءٌ الاقليمية او الدولية فمن المؤكد انها تلاحظ في الاساس منافعها ومصالحها ، وهي لا تتطابق بالضرورة مع المصلحة العراقية ، فليكن هذا في حسبان الجميع . وفقنا الله تعالى جميعاً لما فيه خير وصلاح بلدنا وشعبنا ، وعصمنا من الزلل في القول والعمل ، ودفع عنا مضلات الفتن انه سميع مجيب.