الوصايا التاريخية الشريفة للمرجع الدينيّ الأعلى السيد عليّ السيستانيّ(دام ظلّه الوارف) بخصوص آداب الجهاد تضمّنت التأكيد -أكثر من مرّة- على ضرورة الالتزام والتحلّي بالأخلاق التي كان عليها الإمامُ علي والأئمّة الأطهار(عليه وعليهم سلام الله) وأصحابُ النبيّ(صلى الله عليه وآله) أبّان الجهاد، وما ورد عنهم من أحاديث وتعاليم أخذت بها الأُمّةُ وأجمعت عليها وجعلتها حجّةً بينها وبين ربّها واتّخذتها منهجاً ودستوراً تسير على ضوئه، فإنّ عَرْضَ القيم الإسلامية في واقع الحياة تطبيقاً عمليّاً سيعكس الصورة الجاذبة للإسلام كعقيدةٍ إلهية تضمن للبشرية سعادتها ورفاهيتها، وحتى في الحرب التي هي استثناءٌ نجد لها في الشريعة آداباً وقواعدَ يُراعى استخدامُها مهما كان لونُ العدوّ وطبيعته العدوانية. التوصياتُ الخالدة للمرجعية العُليا طالبت المجاهدين المؤمنين أن يقتدوا ويلتزموا بهذا المنهج المقدّس وخاصةً فيما يتعلّق بأنْ تبقى تعاليمُ الدين الإسلاميّ الحنيف هي المعيارُ الراجح في الحرب، من خلال مراعاة التأمّل في أبعاد هذه الحياة وآفاقها ثمّ الاعتبار بها والعمل بموجبها، على اعتبار أنّ الدينَ هو الموجّه لسلوك الفطرة الإنسانية نحو الكمال وأنّ الالتزامَ بتعاليمه يعكس الصورة الحقيقية لرسالة السماء، كما يرتكز الدينُ في نظامه التشريعيّ على إثارة دفائن العقول وقواعد الفطرة في وجوب تغليب غريزة الخير على غريزة الشرّ اللتين أودعهما الله تعالى في النفس الإنسانية، مستشهداً سماحتُه بقول الباري عزّوجلّ: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا)الشمس:7-10، وأيضاً الاستشهاد بقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) من حديثٍ طويل: (فبعث الله فيهم رُسُلَه وواتر أنبياءه ليستأدوهم ميثاق فطرته، ويذكّرهم منسيّ نعمته، ويحتجّوا عليهم بالتبليغ، ويثيروا لهم دفائن العقول...). فكان ما أوصى به سماحةُ المرجع الدينيّ الأعلى السيد عليّ الحسينيّ السيستاني(دام ظلّه الوارف) هو لمراعاة حدود وآداب الجهاد كما وردت في كتاب الله الكريم وأحاديث العترة الطاهرة، ولأجل المحافظة على صورة الجهاد وضوابطه التي بيّنها رسولُ الله(صلّى الله عليه وآله) وأميرُ المؤمنين(عليه السلام)، لتكون أحد أسباب حصول المجاهد على الدرجة العالية والمنزلة الكريمة التي خصّها اللهُ تعالى به، وهو ما بيّنه سماحتُهُ في الوصيّة السابعة عشرة من وصاياه الكريمة للمقاتلين والمجاهدين في ساحات الجهاد والوغى والتي أصدرها مكتبه، إذ قال: ((واحرصوا -أعانكم الله- على أن تعملوا بخُلُق النبيّ وأهل بيته(صلوات الله عليهم) مع الآخرين في الحرب والسلم جميعاً، حتّى تكونوا للإسلام زَيْناً ولقِيَمِهِ مَثَلاً، فإنّ هذا الدينَ بُنِيَ على ضياء الفطرة وشهادة العقل ورجاحة الأخلاق، ويكفي منبّهاً على ذلك أنّه رفع راية التعقّل والأخلاق الفاضلة، فهو يرتكز في أصوله على الدعوة إلى التأمّل والتفكير في أبعاد هذه الحياة وآفاقها ثمّ الاعتبار بها والعمل بموجبها، كما يرتكز في نظامه التشريعيّ على إثارة دفائن العقول وقواعد الفطرة، قال الله تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا)الشمس:7-10، وقال أمير المؤمنين(عليه السلام): (فبعث الله فيهم رُسُلَه وواتر أنبياءه ليستأدوهم ميثاق فطرته، ويذكّرهم منسيّ نعمته، ويحتجّوا عليهم بالتبليغ، ويثيروا لهم دفائن العقول...)، ولو تفقّه أهلُ الإسلام وعملوا بتعاليمه لظهرت لهم البركاتُ وعمّ ضياؤها في الآفاق، وإيّاكم والتشبّث ببعض ما تشابه من الأحداث والنصوص فإنّها لو رُدّت إلى الذين يستنبطونه من أهل العلم -كما أمر الله سبحانه- لعلموا سبيلها ومغزاها)).