تعدّ شخصية الإمام الحسين في الأدب المعاصر من أبرز شخصيات أبطال الثورات والدعوات النبيّلة، والإمام الحسين (عليه السلام) من أكثر شخصيات الموروث التاريخي شيوعاً في الشعر المعاصر فقد رأى الشعراء المعاصرون أنّ الحسين -عليه السلام- الممثل الفذ للفضيلة النبيّلة، الذي يعرف سلفاً أن معركته مع قوى الباطل خاسرة ولكن ذلك لا يمنعه من أن يبذل دمه الطهور في سبيلها، موقناً أن هذا الدم هو الذي سيحقق لقضيته الانتصار والخلود، وأنّ في استشهاده نتصاراً له ولقضيّته. و بهذا المدلول استدعى الشعراء المعاصرون شخصية الحسين (عليه السلام) ليعبّروا من خلإلها عن أنّ الهزيمة التي تتلقاها الدعوات والقضايا النبيّلة في هذا العصر، واستشهاد أبطلها إنّما هو انتصار على المدى الطويل لهذه الدعوات والقضايا. و إلى جانب هذا المدلول العام لشخصية الحسين (عليه السلام) ، عبّر الشعراء به عن قضية أخرى، وهي تفرد أصحاب الدعوات الكبرى ووحدتهم وسلبية الجماهير إزاءهم وإزاء دعوتهم، لأنّ القضايا الجليلة لا يقوى على حملها إلا المجاهدون الكبار. إن الشاعر (أدونيس) يقدّم رمز الحسين (عليه السلام) كبطل عظيم وشجاع بدلالات القيم النفسية والحسية فالحسين (عليه السلام) في شعر أدونيس بطل التراجيديا وليس مجرد بطل التاريخ الحقيقي وقد تحوّلت الحقيقة التاريخية عند الشعراء إلى أسطورة ... وخلق أدونيس من الأسطورة ومن رؤيته حالة جديدة للبطل وهي حالة الحضورالحدسي الوجداني، وأصبح التلاحم بين الحسين (عليه السلام) والجمهور المشبع بذكراه تمرّ من خلال قصيدة بعد أن كان يمرّ من خلال التاريخ والسيرة الشعبية فالحسين يحنو عليه كل حجر وتنام كل زهرة عند كتف الحسين ، كقول الشاعر قصيدته «مرآة الشاهد»: و حينما استقرّت الرّماح في حشاشة الحسين وازينت بجسد الحسين و داست الخيول كلّ نقطة في جسد الحسين واستبلت وقسّمت ملابس الحسين رأيت كل حجر يحنو على الحسين رأيت كل زهرة تنام عند كتف الحسين رأيت كل نهر يسير في جنازة الحسين يعبّر الشاعر أدونيس في هذا المقطع عن أنّ استشهاد الحسين (عليه السلام) قد أحدث أثره في كلّ مظاهر الوجود وكما أنّ نص أدونيس الشعري يتناص مع الحادثة التي تروي مقتل الحسين وخذلانه من طرف مؤيّديه وينقل لنا أجواء حيث راحت كل الأشياء تشارك في هذا الموقف ـ الحجر، الزهرة، النهر ـ الذي يجسّد موقف التعاطف معه، وهذه الحادثة ما هي إلا تعبير عن الخيانة، والقتل وتلاشي المروءة والفضيلة ، ثمّ أنّ الحسين (عليه السلام) واستشهاده في سبيل الحق هو رمز مناضلة الإنسان تجاه الباطل ،فأدونيس يدعو الإنسان إلى أن يفيق من جهله ويثور على الباطل ليستعيد مكانته وقيمه الأخلاقية الرفيعة في المجتمع. زين العابدين (ع) في شعر أدونيس إنّ الشاعر أدونيس قد رصد وقائع كل الثورات التي قامت مناهضةً للخلافة الأموية ونعرض بعضاً من هذه الثورات التي ناضلت من أجل الحب والسلام والحرية ... \"أما كفاح الإمام زين العابدين (عليه السلام) في سبيل الحق، تأخذ موقعاً متميزاً في مسيرة النضال والتضحية والفداء، فمناهضة الإمام زين العابدين (عليه السلام) للخلفاء الأمويين هام من وجهتي النظر التاريخية والفنية\". يقول الشاعر: مولاي، زين العابدين ... أنا جمر ثورتك ... انفجر غير نداءك، وانفجر... ... ورأيت أنّي صيحة ترث الضحايا و رأيت أنّ الجوع يرفعني تحيّة لدم الضّحايا للبائسين الطالعين من الأزقّة والزّوايا موجاً يُضيء العالمين... مولاي زين العابدين لغتي تنوء كأن فوق حروفها حجراً وطين فبأي جانحة أطوف، بأيّ موج أستعين هنا يحسّ الشاعر بالأسى والخزي والحزن والندم تجاه ما يحصل في الأمة العربية والمجتمع العربي فهو يرى بأن مجتمعه يتلاشى ويتآكل من الداخل بسبب النزاعات السياسية والقضايا الاجتماعية وبما أنّ أدونيس شاعر الرفض، فهو لا يقبل التخلّف والجهل في المجتمع، فهو يؤمن بأن النّكبات التي تحصل في الأمة العربية سببها هو عدم البصيرة والعقول المتزمّتة ، ثمّ أن القضايا السياسية والاجتماعية التي يراها الشاعر في المجتمع العربي تثقل كاهله، فلهذا هو يبحث عن مخلّص ينقذه من مآسيه، ويبعث الحياة من جديد بدمه الأسطوري الأحمر، فالإمام زين العابدين (عليه السلام) رمز للحرية والشهادة والانبعاث، وهو بمثابة ملاذ آمن للشاعر يحاوره الشاعر ويخاطبه، راجياً أن يجد بريق الخلاص والطمأنينة، والشاعر يشعر بأنّه عاجز عن التفكير بالحقيقة وهو يطوف حول هذا المخلّص «الامام زين العابدين -عليه السلام-» بحزن شديد، يلتمس منه الحياة والأمل إلى قلبه الميت والمكتئب فهو مثل أبيه الإمام الحسين الأمل الوحيد لبعث الحياة الجديدة والحرية إلى العالم، وشجاعته وكفاحه هما الدواء اللذان سيضمدان جروح المظلومين والأبرياء، كذلك الإمام زين العابدين رمز الانتصار للقدرة الحقيقية والخالدة لدم الشهداء والمناضلين. زيد بن علي في شعر أدونيس تتنوّع صور الاستعمال وتوظيف الشخصيات التاريخية كثيراً في قصائد أدونيس، فنجد مثلاً تعامل الشاعر مع «زيد بن علي» إذ يعمد إلى الملمح الخاص من هذه الشخصية ليعبّر عن تجربته في معادلة تتلاحم فيها الذات مع الموضوع، فيقول: بعد لحظة رأوه معلّقاً يحرق فوق الماء ينثر فوق الرّماد يعيدنا أدونيس في هذه الأبيات إلى أجواء قتل زيد بن علي، وما يكتنف هذه الأجواء من تراجيديا. من هنا فإن أدونيس يحيلنا مباشرة إلى الحادثة التاريخية المتمثّلة في ثورة زيد بن علي بن الحسين في سنة 122 هـ داعياً الناس إلى كتاب الله وسنة نبيّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ، وجهاد الظالمين. وقد استطاع زيد بن علي أن ينصف المظلومين، وأن يهتم بالطبقات المحرومة، وعلى التوحيد بين الفكر والعمل ولكن هذه الثورة لم تستهوِ الكثيرين؛ لذلك قتل وصلب في الكناسة ، ثمّ أرسل إلى دمشق وصلب على بابها، ثمّ أرسل إلى المدينة وصلب ببابها، وبقي مصلوباً حتى سنة 125 هـ حيث أمر (الوليد بن يزيد) بحرقه ونسفه في اليمِّ نسفاً. يحمل أدونيس شخصية زيد بن علي فجيعة الماضي ، ويعبّر من خلال ذلك عن تعاطفه مع هذه الشخصية، ولعلّ أدونيس في تعامله مع هذه الشخصية حاول أن يتجاوز معطيات الماضي، ويضفي عليها بُعداً جديداً، حين يقول: الجسم يصاعد في رماد مهاجر كالغيمة الخفيفة و الرأس وحي نار عن زمن الغيوب والثورة والثوار يبيّن أدونيس أنّه رغم من قتل وصلب زيد بن علي وحرقه ونثر رماد جثته فوق الماء إلا أنه لم يمت، بل بقي رمزاً إلى الأبد، وما يجسّد ذلك قوله: (والرأس وحي نار)؛ فالنار عند أدونيس هي منبع الحياة ودلالة الديمومة والبعث؛ ذلك أن النار جاءت لمواجهة الموت، لأنّها نقيضه كما أنها علامة الحياة عن طريق بث لهبها في النفوس. بقلم / فاطمة فائزي